الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان مراد القائل بقوله أتقرب إليك بسخطي على نفسي أي أعترف لك بذنبي وأقر بتقصيري وعجزي عن القيام بحق عبادتك، فهذا كلام حسن ومعنى طيب ينبغي للمسلم أن يستحضره على الدوام، فإن العبد يسير إلى الله تعالى بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل، كما قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ وهذا المعنى ثابت في السنة في أحاديث كثيرة سوى ما ذكر في السؤال، فمنها سيد الاستغفار وهو مخرج في الصحيح من حديث شداد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ وفيه: أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
وفي حديث علي ـ رضي الله عنه ـ عند مسلم فيما كان يدعو به صلى الله عليه وسلم في افتتاح الصلاة: أَنْتَ رَبِّى وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِى وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِى فَاغْفِرْ لِى ذُنُوبِى جَمِيعًا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ.
ونظائر هذا كثيرة، وبالجملة فاعتراف العبد بضعفه وذله وانكساره لله تعالى وفقره وحاجته إليه من أعظم الأبواب التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، يقول ابن القيم عليه الرحمة: فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان، ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت وأن لا يرى نفسه إلا مفلسا، وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس فلا يرى لنفسه حالا ولا مقاما ولا سببا يتعلق به ولا وسيلة منه يمن بها، بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف والإفلاس المحض دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع، وشملته الكسرة من كل جهاته وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل وكمال فاقته وفقره إليه وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة إلى ربه تبارك وتعالى وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تجبر إلا أن يعود الله تعالى عليه ويتداركه برحمته، ولا طريق إلى الله أقرب من العبودية ولا حجاب أغلظ من الدعوى. انتهى.
والله أعلم.