الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالتكلم مع الجني المتلبس ببدن الإنسي في أثناء الرقية جائز، ولكن ينبغي أن يقتصر ذلك على أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وإعلامه أنه لا يحل له التلبس ببدن الإنسي وتخويفه عاقبة ما يفعله، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الهدي: وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه ويقول: قال لك الشيخ: اخرجي فإن هذا لا يحل لك فيفيق المصروع، وربما خاطبها بنفسه. انتهى.
وذكر عن شيخ الإسلام حكايات في هذا المقام فلتراجع.
وإن امتنع الجني من الخروج فليستمر الراقي في قراءة القرآن والذكر ودعاء الله تعالى، فإن احترق الجني بذلك فلا حرج، وذلك ممكن كما ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 123274
ولكن لا يجوز تعذيب المصروع، أو استعمال النار في حرقه بزعم أن ذلك حرق للجني، فإن مثل هذه الأفعال من التوسع في ضرب المصروع وأذيته فضلا عن حرقه قد تؤدي إلى فساد عظيم، وربما تلف الشخص المريض بسببها.
كما لا يفوتنا أن ننبه إلى أن الصرع ومس الجن للإنس ثابت بلا شك، ولكن التوسع في هذا وعزو كل ما يصيب الإنسان من مرض إلى تلبس الجن أمر مذموم، بل الواجب أن يوضع الأمر في نصابه، ولا يحكم بوجود المس إلا ببينة وقرينة ظاهرة، قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله: فالقراءة على الذي أصابه مس من الجن تنفع ـ بإذن الله ـ ولكن لا ينبغي للإنسان أن يتوهم ويتخيل فكلما أصابه شيء قال هذا جن، وربما لو جاءه زكام قال: هذا جن، هذا غير صحيح، والإنسان إذا تخيل الأشياء صارت حقيقة، بل الآن لو تتخيل الشيء البعيد يتحرك وهو ساكن قلت: هذا يتحرك. انتهى.
فليحذر من التوسع من عزو ما يصيب المرء إلى الجن ففساد ذلك عظيم كما هو مشاهد، ولتتبع الوسائل الشرعية في العلاج من الرقية بالأذكار والدعوات وآيات القرآن، فإن في ذلك خيرا وبركة.
والله أعلم.