الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يكفيك بحلاله عن حرامه، وأن يغنيك بفضله عمن سواه، ثم اعلمي أن مجرد الفصل من العمل، أو فسخ عقد الإجارة لا يعد ظلماً بإطلاق وإنما يرجع في ذلك إلى شروط العقد وظروف الفصل فإن كان للإجارة مدة معينة لزم الوفاء بها من الطرفين لأن عقد الإجارة عقد لازم طيلة مدة العقد، ولا يجوز لأحد الطرفين فسخه إلا لسبب يقتضي الفسخ، وقد اختلف الفقهاء في فسخ الإجارة للعذر، والراجح - وهو مذهب الجمهور- أنها تفسخ إذا وجد عذر شرعي، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 46107.
ومن هذه الأعذار الشرعية أن يحصل بالأجير عيب يؤثر في منافعه كالمرض والعجز ونحو ذلك، جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: كذلك إذا مرض الأجير فللمستأجر فسخ الإجارة. انتهى.
وقد ذكرت السائلة أنها قصرت في أداء عملها، لأنها كانت غير قادرة عليه، فيكون ذلك عذرا لصاحب العمل أو المسئول عنه في فسخ العقد، والمقصود أن ننبه السائلة على أن الفصل من العمل قد يكون ظلما وقد لا يكون، والمرجع في معرفة ذلك هو شروط العقد وبنوده، ثم أسباب الفصل وظروفه، وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 48576، 129670، 38318
وأما مسألة المحاباة والمحسوبية ومراعاة الظروف الخاصة بالسائلة، أو غيرها وحاجتهم للعمل، فهذه أمور خارجة عن مقتضيات عقد الإجارة، ولها نظرها الخاص في أبواب العلم كأبواب النفقات والبر والصلة والآداب فالعدالة الاجتماعية والإحسان إلى الناس ومواساتهم وتقديم ذوي الحاجات على غيرهم ونحو ذلك من الأمور لها نظرها الخاص، وأبواب البيوع والإجارات ونحو ذلك من العقود لها نظر آخر، وإن كان الكل يصب في قناة إصلاح المجتمع ككل، ولكن لابد من التفريق بين الفرض والفضل، وبين الواجب والمستحب، والقرآن الكريم كما أمر بإقامة العدل وأداء الأمانة والوفاء بالعقود ونحو ذلك، أمر كذلك بالإحسان، وحث على الإيثار، ورغب في التكافل والتعاون، ونهي عن الظلم وحذر من البغي، ولكل مقام مقال.
وأما ما سمته السائلة بقطع أرازق الناس وحديث القرآن عن ذلك، فننبهها أولا على أن أحدا من البشر لا يقدر على قطع رزق قسمه الله لعبده، فالله تعالى هو الرزاق، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ { الذاريات: 58}.
وقال عز وجل: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ {سبأ: 24}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها. رواه أبو نعيم، وصححه الألباني.
وأما ظلم الناس والبغي عليهم بغير حق فيكفينا فيه قوله تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {الشورى: 42}.
وقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ {الأعراف: 33}.
وأما ما يتعلق بدعوة المظلوم فراجعي فيه الفتويين رقم: 113319، ورقم: 129345.
وننبه السائلة هنا على أن دعاءها لنفسها أنفع لها من دعائها على من ظلمها.
والله أعلم.