الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأولى أن تطلب حقك بالحسنى، وتجتهد في أن يكون ذلك بطريقة لا تترتب عليها قطيعة رحم ولا فساد ذات بين، فإن تعسر ذلك ولم يكن من بد من الخيار بين الخصومة والقطيعة وبين التنازل، أو التغاضي عن بعض حقك فالذي نراه لك أن تختار التنازل طلبا لمرضاة الله وصلة للرحم ودفعا لمفسدة الدين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة. رواه الترمذي وصححه، وأبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر، أو المراد المزيلة لمن وقع فيها، لما يترتب عليه من الفساد والضغائن، وذلك لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصر والألفة والاجتماع على الخير، حتى أبيح فيه الكذب، وكثرة ما يندفع من المضرة في الدنيا والدين بتشتت القلوب ووهن الأديان من العداوات وتسليط الأعداء وشماتة الحساد فلذلك صارت أفضل الصدقات. اهـ.
فإن آثرت صلة رحمك على استيفاء حقك، فسيجلب ذلك عليك وافر الرزق ـ بإذن الله ـ مع ما تنتظره من نصرة الله لك، فقد قال رجل: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
وقال ـ أيضا ـ صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه. متفق عليه.
وبذلك يعلم السائل الكريم أن تنازله عن بعض حقه صلة لرحمه، إنما هو ذخر يدخره لأولاده في حياته وبعد مماته، ولا يعد ذلك تقصيرا في حقهم، إذا كان عندك مايفي بحاجتك وحاجتهم.
وأما مسألة طلب اليمين منهم: فمن حيث المشروعية لا حرج في ذلك، وقد أجمع الفقهاء على الاستحلاف في الأموال، كما جاء في الموسوعة الفقهية، ولكن ينبغي للسائل إن عزم على حسم مادة الخصومة بينه وبين إخوته ولو بالتنازل عن بعض حقه، أن ينظر في أثر تحليفه لهم على علاقته بهم.
والله أعلم.