الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أحسنت بحرصك على التمسك بالدين، ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى الثبات عليه وأن يرزقك الجنان ويقيك النيران، ولكل عابد شرة وفترة، والقلب يتقلب والمؤمن يذنب ويتوب، وكلما أذنب فعليه أن يتوب ولا يقنط أبدا فرحمة الله واسعة، وراجع الفتويين رقم: 1909ورقم: 18661.
وهنالك وسائل تعين المرء على الاستقامة والثبات على الدين ينبغي للمسلم تعلمها والحرص عليها وهي مبينة ببعض الفتاوى نحيلك منها على الرقمين التاليين: 1208 12744.
وأما بالنسبة لإرضاء الوالدين والبعد عن سخطهما فهو من أهم المهمات وطريق لإرضاء رب الأرض والسماوات واتقاء سخطه وغضبه، روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد.
ومهما أساء الوالدان إلى الولد فيظل برهما واجبا عليه ويحرم عليه عقوقهما، ألم تر كيف أن الله تعالى أوجب برهما حال كفرهما ومع حرصهما على جر ولدهما إلى الكفر، وتقصيرهما لا يسوغ عقوقهما ولمزيد الفائدة راجع الفتويين رقم: 11550ورقم: 27021.
فالمهم أن لا يصدر منك أي إساءة إليهما، وإذا حدث من أي منهما ما يستفزك فاترك مجلسهما حتى لا تسمع ما يثير غضبك وتفعل معهما ما فيه عقوق لهما وأما التمسك بالدين والاستقامة على طاعة رب العالمين فليس محلا للمساومة، أو المجاملة لأي أحد، ولكن ينبغي لمن رزقه الله الخير أن يتحرى الحكمة في دعوته وفي التزامه وأن يكون رفيقا، قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: }.
وفي صحيح مسلم من حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف وما لا يعطى على ما سواه.
ولا شك أن العقوق عواقبه وخيمة، وقد يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، روى الحاكم في المستدرك عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا البغي والعقوق. وصححه الألباني في صحيح الجامع والسلسلة الصحيحة.
وقد يكون الجزاء فيه من جنس العمل، ولكن هذا ينبغي أن يكون دافعا إلى التوبة والحذر من العود للعقوق مرة أخرى، ولا ينبغي أن يكون دافعا للحذر من الزواج خشية المجازاة بالمثل، فالزواج من الخير الذي ينبغي للمسلم أن يبادر إليه وقد يكون واجبا على المسلم وذلك فيما إذا كان قادرا على مؤنته ويخشى على نفسه الفتنة، وراجع الفتوى رقم: 3011.
فننصحك بالإقبال على التوبة وإرضاء والديك والحرص على الزواج ولا تستجب للخواطر والوساوس الشيطانية.
وأما بالنسبة لأثر موسى عليه السلام هذا: فقد ذكره الذهبي في كتابه الكبائر ونسبه لوهب بن منبه والمعنى الذي تضمنه داخل في قاعدة: الجزاء من جنس العمل وللفائدة راجع الفتوى رقم: 113446.
والله أعلم.