الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ارتكاب الحرام وعمل السيئات في حرم الله ليس كارتكابها في غيره، فمجرد الهم بفعل السيئة في مكة المكرمة- حرسها الله- فيه وعد شديد بالعقوبة عليه وإن لم يفعلها.
قال ابن القيم في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد: من خواص الحرم -أنه يعاقب فيه على الهم بالسيئات، وإن لم يفعلها. قال الله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ... فتوعد من هم بأن يظلم فيه بأن يذيقه العذاب الأليم.
ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيه لا كمياتها فإن السيئة جزاؤها سيئة لكن سيئة كبيرة وجزاؤها مثلها، وصغيرة جزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه.
فالتضعيف ليس بالعدد كما ورد في السؤال وإنما بتغليظ الإثم. وانظر الفتويين: 12665، 12106ويستوي في ذلك المقيم بمكة وزائرها ومن هو خارج عنها إذا هم بسيئة فيها لما رواه أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما من عبد يهم بخطيئة فلم يعملها، فتكتب عليه، ولو هم بقتل إنسان عند البيت، وهو بـ "عدَن أَيْين" أذاقه الله من عذاب أليم، وقرأ عبد الله: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ.
وروي هذا الأثر مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح.
قال ابن كثير: وقفه أشبه من رفعه، وكذا صححه ابن حجر موقوفاً.
وعلى المسلم إذا صدر منه خطأ بمكة المكرمة أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى ويعمل ما استطاع من أعمال الخير فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وانظر في كيفية التوبة وشرطهما فتوانا رقم: 125357.
والله أعلم.