الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالظاهر بل المقطوع به من اطلاعنا على جميع أسئلتك أنك مصاب بوسواس شديد في هذا الباب، وننصحك بأن تقلع عن هذه الوساوس، وأن تطرح عنك ما يتعلق بها، ولست محاسبا عما يتكلم به الناس، ولا مسؤولا يوم القيامة عن أعمالهم، ففيم تشغل نفسك هذا الشغل الطويل، وتعنيها هذا العناء في أمر لست منه في ورد ولا صدر.
وأما هذه المقالة الأولى فلا شك في كونها ردة عن الإسلام، والواجب مناصحة قائلها ليتوب إلى الله تعالى من عظيم ما تفوه به، وباب التوبة مفتوح لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، فإن كنت تعرفه فناصحه بلين ورفق وبين له أنه فاه بكلمة عظيمة شنيعة، وادعه إلى التوبة إلى الله تعالى، وإن لم تكن تعرفه فكلم من أخبرك بخبره في أن يناصحه ويبين له بلين ورفق، وبذلك تكون فعلت ما عليك، ولا يلزمك شيء وراء ذلك.
وأما صاحبك فلا تسأله عن شيء، ولا تفتش في حاله، وما إن كان اعتقد ردة صاحبه ذاك أو لا؛ لأنه لا يشرع امتحان عقائد الناس وناقل الكفر كما ذكرت ليس بكافر.
وأما العبارة الثانية فهي وإن كانت قبيحة لكنها لا تصل إلى حد الردة، إلا إن كان مقصود قائلها الاستهزاء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الفتويان المذكورتان فلا تعارض بينهما البتة، فإن كلا منهما في مسألة مختلفة عن الأخرى، والكلام المشار إليه في الفتوى الثانية متعلق بمن قال: يعلم الله كذا وهو كاذب، فإنه إن قصد الكذب ولم يقصد وصف الله عز وجل بالجهل والعياذ بالله كان آثما مذنبا، وأما إن قصد وصف الله تعالى بالجهل فهذا كفر والعياذ بالله كما هو موضح في تلك الفتوى، فهذا القول يلزم منه الكفر، ولكن لازم القول ليس بقول كما هو معلوم، فإن قصده وأراده لزمه ما قصده وإن لم يقصده فهو على الحكم المتقدم من كونه لا يكفر بمجرد ذلك اللفظ، ونختم بما بدأنا به من تحذيرك عن الوساوس والاسترسال معها فإنها أمرها خطير.
والله أعلم.