الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الباب قد روي فيه عدة أحاديث ضعيفة، وقد حسَّنَ طائفة من أهل العلم بعضها بتعدد الطرق، منها حديث ابن عمر مرفوعا: إن لله أقواما اختصهم بالنعم لمنافع العباد يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم.
قال المنذري: رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط، ولو قيل بتحسين سنده لكان ممكنا. اهـ. وحسنه السيوطي والألباني.
ومن ذلك حديث ابن عباس مرفوعا: ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه، فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده جيد اهـ. وحسنه الألباني.
وأما معنى الحديث المذكور: فقال المناوي في فيض القدير: إن لله تعالى أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد ـ أي لأجل منافعهم: ويقرها فيهم ما بذلوها ـ أي مدة دوام إعطائهم منها للمستحق: فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم ـ لمنعهم الإعطاء للمستحق: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ـ فالعاقل الحازم من يستديم النعمة ويداوم على الشكر والإفضال منها على عباده واكتساب ما يفوز به في الآخرة: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك. اهـ.
وقال في موضع آخر: من أنعم عليه بنعمة تهافتت عليه عوام الناس لأهويتهم، وكذا نعمة الدين من العلوم الدينية والربانية والحكم الإلهية، ومن ثم قال الفضيل: أما علمتم أن حاجة الناس إليكم نعمة من الله عليكم، فاحذروا أن تملوا وتضجروا من حوائج الناس فتصير النعم نقما. وأخرج البيهقي عن ابن الحنفية أنه كان يقول: أيها الناس اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوها فتتحول نقما، واعلموا أن أفضل المال ما أفاد ذخرا وأورث ذكرا وأوجب أجرا، ولو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين ويفوق العالمين. اهـ.
وأما سؤال: متى أخدم الناس؟ فجوابه: أن ذلك متى تيسر فهو عمل صالح مستحب، وصاحبه على خير وإلى خير، خاصة إذا قام به إيمانا واحتسابا كحال السائلة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه. وقال ـ أيضا ـ صلى الله عليه وسلم قال: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواهما مسلم.
ويزداد الأجر وتعظم المثوبة إذا صبر وتحمل المرء إساءة من أحسن إليه، كما قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34ـ 35}.
وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
فلا يصدن السائلة عن فعل الخير وبذل المعروف ما تلقاه من إساءة، فهذا من فواضل العمل وجميل الخصال، فعن علي ـ رضي الله عنه ـ قال: لما ضممت إليَّ سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدت في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم رقعة فيها: صل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك، وقل الحق ولو على نفسك. رواه ابن السماك، وصححه الألباني.
وعن عقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله؛ أخبرني بفواضل الأعمال، فقال: يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك. رواه أحمد، وصححه الألباني.
فطالما أن خدمة الناس لا توقع المرء في محذور شرعي، ولا يُؤخَّر بها حق من هو أولى وأقرب ـ فأداؤها والصبر عليها خير وأفضل، ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 2159، 39092.
والله أعلم.