الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحديث في أوله واضح لا إشكال فيه، وهو أن هذا الصحابي الجليل كان يجهل حرمة الكلام في الصلاة فشمت عاطسا، فنظر إليه المصلون بأبصارهم ينكرون عليه فعله، فلم يتفطن لذلك وقال: واثكل أمياه. جاء في حاشية السيوطي والسندي على سنن النسائي: (واثكل أمياه) بِضَمِّ ثَاء وَسُكُون كَافٍ وَبِفَتْحِهِمَا هُوَ فَقْد الْأُمّ الْوَلَد وَأَمِّيَاهُ بِكَسْرِ الْمِيم أَصْله أُمِّيّ زِيدَ عَلَيْهِ الْأَلِف لِمَدِّ الصَّوْت وَهَاء السَّكْت وَهِيَ تَثْبُت وَقْفًا لَا وَصْلًا. انتهى.
والمعنى: وافقد أمي لي فإني قد هلكت، فلما قال ذلك جعل المصلون يضربون بأيديهم على أفخاذهم مبالغة في الإنكار عليه ليسكت، فلما رآهم يطلبون سكوته سكت، فلما قضيت الصلاة أقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه بأسلوب لين رفيق لا زجر فيه ولا تعنيف أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس هذا إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن .
ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان الكهان فقال صلى الله عليه وسلم: لا تأتوهم. قال النووي: قال العلماء : إنما نهى عن إتيان الكهان لأنهم قد يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك ، ولأنهم يلبسون على الناس كثيرا من الشرائع. انتهى.
ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن التطير فقال ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم والمعنى كما جاء في الديباج على مسلم: معناه أن الطيرة شئ يجدونه في النفوس ضرورة ولا عتب عليكم في ذلك فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به، ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم فهذا الذي تقدرون عليه وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف. انتهى.
وأما عن موضوع خط النبي فقد جاء معناه مفصلا في حاشية السيوطي والسندي على سنن النسائي وفيها: قال: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك، قال النووي: اختلف العلماء في معناه فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح ، ولا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافق فلا يباح ، وقال عياض : معناه من وافق خطه فذاك الذي تجدون إصابته فيما يقول لا أنه أباح ذلك لفاعله قال : ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا ، وقال الخطابي : هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط ؛ إذ كان علما لنبوة ذاك النبي ، وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك قال النووي : فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن ، وقال القرطبي : حكى مكي في تفسيره أنه روي أن هذا النبي كان يخط بأصبعه السبابة والوسطى في الرمل ثم يزجر ، وعن ابن عباس يخط خطوطا معجلة لئلا يلحقها العدد ثم يرجع فيمحو على مهل خطين فإن بقي خطان فهي علامة النجح وإن بقي خط فهو علامة الخيبة. انتهى.
وليس المقصود من هذا إباحة الخط بل المقصود بذلك والله أعلم أن هذا الأمر كان آية لذلك النبي وعلما على صدق نبوته، وقد انقضت نبوته فلا يجوز فعل ذلك من بعده.
والله أعلم.