الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن القواعد الفقهية المقررة: أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وعلى ذلك فكتابة العقد بصيغة البيع المقبوض الثمن على خلاف الواقع لا يغير من حقيقة العقد شيئا، فالحاصل أن هذا العقد في حقيقته إما هبة، وإما وصية، فإن كان زوج أخت السائلة نجَّز أثر العقد من التمليك وإطلاق اليد في التصرف فهي هبة نافذة، وإن كان علق ذلك على موته فهي وصية، وهذا هو الأقرب لواقع السؤال، حيث كان غرضه تأمين البنات بعد وفاته، على ما فهمنا من السؤال، وفي هذه الحال تصح الوصية طالما كانت في حدود الثلث ولم تكن لوارث، كما هو الحال هنا، وعلى ذلك، فمن حق السائلة أن تمتلك المكتوب في العقد كوصية بعد وفاة الموصي، ويتأكد ذلك في حال ثبوت ما ذكرته من كون زوج أختها قد فعل ما فعل ليبرئ ذمته من الذهب الذي أخذه من أمها عند شراء هذا العقار، هذا من ناحية الاستحقاق، وأما من ناحية اليمين بالصيغة المذكورة والتي تتضمن أن المتوفى قد استلم من السائلة ما قيمته مبلغا وقدره كذا وكذا ـ فهذا لا شك أنه كذب، والكذب قد تواترت النصوص بتحريمه وأفحش أنواعه ما يكون في القسم ـ وهو اليمين الغموس ـ ولاسيما إن كان في شهادة عند القاضي، فعلى السائلة أن تتوب إلى الله تعالى وتستغفره، وأما من حيث الكفارة فأكثر أهل العلم إلى أن اليمين الغموس لا كفارة لها إلا التوبة والاستغفار، وذهب الشافعية إلى أن فيها مع ذلك كفارة اليمين المعروفة، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وقد كان بوسع السائلة أن تقسم على أن العقد سليم وأن المتوفى كتبه برضا نفسه ولم يغصب على كتابته وتبين للقاضي الشرعي حقيقة الواقع، فإن حكم لها فهذا ما أرادت، وإن حكم لخصمها فهو أفضل من الوقوع في مزلة هذه اليمين الغموس.
والله أعلم.