الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يفرج همك، ويهيئ لك من أمرك رشدا، ويرزقك من حيث لا تحتسب؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وأما ما سألت عنه فنجمل جوابه في نقاط:
أولا: مسألة اتفاقك مع الرجل الأول وضمانك لرأس ماله مسألة محرمة؛ لأن المضارب لا يضمن رأس مال المضاربة دون تعد أو تفريط منه، والخسارة إنما تكون في رأس المال على ربه ويخسر العامل جهده فقط، وقد بينا الحكم عند فساد عقد المضاربة ما للعامل وما لرب المال في الفتويين رقم: 11158، 72779.
وكل ما حصل إنما هو بسبب عدم معرفة حكم الشرع، وتجاوز حدود الله جهلا، ودواء هذا الجهل الاستفسار قبل الإقدام على المعاملات والسؤال عن حكم الشرع فيها، قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {الأنبياء:7}
ثانيا: الديون المتبقية عليك يجوز لك أن تأخذ من أموال الزكاة بقدرها لتسددها فقد قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة:60} والغارمون هم المدينون فصاحب الدين يجوز له أن يأخذ من الزكاة ما يقضي دينه.
وينبغي أن تكثر من الاستغفار فهو من أسباب الرزق وفتح أبوابه قال تعالى حكاية عن نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًايُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح:10-12}
ولا تنس أن تدعو بدعاء قضاء الدين، فقد روى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة؛ ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني.
وروى الترمذي وحسنه، عن أبي وائل عن علي رضي الله عنه: أن مكاتبا جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني. قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل صير دينا أداه الله عنك؟ قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.
ثالثا: الاقتراض بالربا من الدولة أو غيرها من أجل قضاء الديون لا يجوز ما لم تتحقق من أن عدم السداد يؤدي بك إلى السجن. والمدين المعسر لا يجب عليه الاقتراض من أجل قضاء الدين، وإنما يجب على الدائن إنظاره إذا ثبت عسره، لقوله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280} وراجع للأهمية الفتويين رقم: 6501، 21048.
فاستعن بالله عز وجل على قضاء ديونك، ولن يخيب رجاءك فيه، فأره من نفسك خيرا وصدقا، فقد وعد باليسر بعد العسر، فقال: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {الشرح:5، 6} وقال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2، 3} وقال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}
والله أعلم.