الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان ما ذكرت هو الواقع فلم يحدث منك ظلم لهذه الفتاة، بل قد يكون الظلم من قبلها وقبل أهلها بإشانتهم سمعتك ومطالبتهم ما لا يستحقون وسعيهم في تطليق زوجتك من غير وجود ما يسوغ ذلك، هذا بالإضافة إلى ما ذكرت من دعواهم دخولك بزوجتك، وهو ما لم يحصل، كما أوضحت في سؤالك، وما دامت هي الطالبة لفراقك من غير إضرار منك بها فلك أن تمتنع عن طلاقها حتى تفتدي منك بمال، قال الطبري ـ رحمه الله ـ عند تفسير قوله تعالى: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ {البقرة: 19}.
قال: وأما العضل لتفتدي المرأة من الزوج بما آتاها أو ببعضه فحق لزوجها إذا هي نشزت عليه لتفتدي منه حق له، وليس حكم أحدهما يبطل حكم الآخر، قال أبو جعفر: فمعنى الآية: ولا يحل لكم أيها الذين آمنوا أن تعضلوا نساءكم فتضيقوا عليهن وتمنعوهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صدقاتكم ـ المهرـ إلا أن يأتين بفاحشة من زنا، أو بذاء عليكم وخلاف لكم فيما يجب عليهن لكم، فيحل لكم حينئذ عضلهن والتضييق عليهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق إن هن افتدين منكم به. اهـ بتصرف.
وأما بالنسبة لدعواهم دخولك بها، فقد بين الفقهاء الحكم فيما إذا اختلف الزوجان في الوطء وذكروا أن القول قول من ينفيه لتمسكه بالأصل، قال السيوطي الشافعي في الأشباه والنظائر عند الكلام عن قاعدة أن الأصل العدم: إذا اختلف الزوجان في الوطء, فالقول قول نافيه عملا بأصل العدم. اهـ.
وذكر مثله الحموي الحنفي في كتابه غمز عيون البصائر.
ومما لا شك فيه أن المطلوب من المسلم أن يكون حازما في أموره وأنه لا ينبغي له أن يذل نفسه، وهذا الزواج الذي تكون بدايته على هذا النحو قد يكون الأولى عدم الاستمرار فيه، فالفراق الآن أولى من الفراق بعد الدخول وربما إنجاب الأولاد، وإذا كان هذا الزواج قد يحول بينك وبين البر بأمك فإنه زواج لا خير فيه، فحق الأم عظيم وبرها والإحسان إليها واجب.
وننبه إلى أنه ينبغي للزوج أن يجتهد في التوفيق بين حق الزوجة وحق الأم، ففي الحديث الذي رواه البخاري أن سلمان ـ رضي الله عنه ـ قال لأبي الدرداء رضي الله عنه: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان.
ومسائل المنازعات تحتاج إلى أن يسمع فيها من الطرفين، فالأولى أن تراجع فيها المحكمة الشرعية ولا يكتفى فيها بفتوى، فحكم القاضي ملزم ورافع للخلاف في المسائل الاجتهادية.
والله أعلم.