الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت تعلم أن الأواني أو المعدات التي يتم فيها إعداد الوجبات المذكورة تستخدم قبل ذلك في إعداد وجبات بها لحم الخنزير، فقد تيقنت نجاستها، فإذا لم تتيقن أنه تم تطهيرها بالغسل فلا يحل لك تناول ما طبخ فيها، وإن علمت أنه يتم تطهيرها من نجاسة الخنزير جاز لك تناول ذلك، إذا لم توجد مطاعم لا تطبخ في قدورها لحم الخنزير وغيره مما هو محرم على المسلم، فإن وجدت مطاعم خالية من ذلك فيكره تناول الوجبات التي تم إعدادها في أدوات تستخدم في الخنزير، ولو علم أنها غسلت بعدها، وذلك للاستقذار.
قال في تحفة الأحوذي عند كلامه على ما روى الترمذي وغيره عن أبي ثعلبة الخشني أنه قال: يا رسول الله إنا بأرض أهل الكتاب، فنطبخ في قدورهم ونشرب في آنيتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء. وفي رواية أبي داود: إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء، وكلوا واشربوا.
قال الخطابي: والأصل في هذا أنه إذا كان معلوماً من حال المشركين أنهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر، فإنه لا يجوز استعمالها إلا بعد الغسل والتنظيف... ثم قال صاحب التحفة: قال النووي قد يقال هذا الحديث مخالف لما يقول الفقهاء فإنهم يقولون إنه يجوز استعمال أواني المشركين إذا غسلت ولا كراهة فيها بعد الغسل سواء وجد غيرها أم لا.
وهذا الحديث يقتضي كراهة استعمالها إن وجد غيرها، ولا يكفي غسلها في نفي الكراهة، وإنما يغسلها ويستعملها إذا لم يجد غيرها.. والجواب: أن المراد النهي عن الأكل في آنيتهم التي كانوا يطبخون فيها لحم الخنزير ويشربون كما صرح به في رواية أبي داود، وإنما نهى عن الأكل فيها بعد الغسل للاستقذار وكونها معتادة للنجاسة، كما يكره الأكل في المحجمة المغسولة. وأما الفقهاء فمرادهم مطلق آنية الكفار التي ليست مستعملة في النجاسات فهذه يكره استعمالها قبل غسلها، فإذا غسل فلا كراهة فيها لأنها طاهرة، وليس فيها استقذار، ولم يريدوا نفي الكراهة عن آنيتهم المستعملة في الخنزير وغيره من النجاسات. انتهى.. وانظر لمزيد الفائدة والتفصيل الفتوى رقم: 54485، والفتوى رقم: 111538.
والله أعلم.