الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن أهديت له هدية من أجل عمله الواجب الذي يتقاضى عليه أجرا فهي غلول، ولا يجوز له أن يأخذها ما لم تأذن له جهة عمله في ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: هدايا العمال غلول. صححه الألباني.
وقال لرجل كان عاملا على الزكاة وقد أهديت له هدية: ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه، أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه. رواه البخاري ومسلم.
لكنك ما دمت قد أخبرت المدير وأذن لك في أخذها فلا حرج عليك في ذلك، وإن شئت أن تتصدق بها تورعا واحتياطا فهو أولى، لئلا يكون انتفاعك بها في حاجة نفسك مدعاة لمحاباة من أهداها إليك في مجال عملك بإبطال حق، أو إحقاق باطل، فقد نقل عن عمر بن الخطاب أن رجلا أهدى له فخذ جزور، ثم أتاه بعد مدة معه خصمه فقال: يا أمير المؤمنين اقض لي قضاء فصلا كما يفصل الفخذ من الجزور ؟ فضرب عمر بيده على فخذه وقال مرددا نص القاعدة النبوية السابقة: الله أكبر اكتبوا إلى الآفاق: هدايا العمال غلول.
وروى النسائي في السنن الكبرى: أن رجلا من عمال عمر أهدى نمْرُقَتَيْنِ ـ النمرقة وسادة يتكأ: يجلس عليها ـ لاِمْرَأَته فَرَآهُمَا فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكَ هَاتَيْنِ؟ اشْتَرَيْتِهِمَا؟ أَخْبِرِينِى وَلاَ تَكْذِبِينِى، قَالَتْ بَعَثَ بِهِمَا إِلَىَّ فُلاَنٌ فَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ فُلاَنًا إِذَا أَرَادَ حَاجَةً فَلَمْ يَسْتَطِعْهَا مِنْ قِبَلِى أَتَانِى مِنْ قِبَلِ أَهْلِى فَاجْتَبَذَهُمَا اجْتِبَاذًا شَدِيدًا مِنْ تَحْتِ مَنْ كَانَ عَلَيْهِمَا جَالِسًا فَخَرَجَ يَحْمِلُهُمَا فَتَبِعَتْهُ جَارِيَتُهَا فَقَالَتْ إِنَّ صُوفَهُمَا لَنَا فَفَتَقَهُمَا وَطَرَحَ إِلَيْهَا الصُّوفَ وَخَرَجَ بِهِمَا فَأَعْطَى إِحْدَاهُمَا امْرَأَةً مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ وَأَعْطَى الأُخْرَى امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ.
فعمر دفع بهما لغيره ليكون ذلك تخلصا منهما أن ينتفع بهما هو في خاصة نفسه، أو أهل بيته، وللمزيد انظر الفتوى رقم: 133116.
والله أعلم.