الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد فهمنا من سؤال سابق للأخ السائل ـ وهو برقم: 2298906ـ أن هذا العقار في الحقيقة ملك لوالده الذي كتبه صوريا باسم زوجته بسبب دوام سفره، وذكرنا له أن هذه الكتابة الصورية لا أثر لها في انتقال الملكية فالعقار لا يزال من الناحية الشريعة ملكا للوالد، وعلى ذلك فتصرف الأم في هذا العقار بالتأجير، أو غيره من المعاملات هو ما يعرف بتصرف الفضولي، والراجح من قولي العلماء أنه يصح إذا أجازه المالك، وهذا ما حصل، حيث وافق الوالد بعد الضغط عليه على تصرف زوجته، ويبقى النظر في صحة الإجارة من هذه الحال وذلك من ناحيتين:
الأولى: مدة الإجارة، فهناك احتمال لكون عقد الإجارة المذكور من عقود التأبيد، حيث يلجأ أهل بعض البلاد لمثل هذا العقد، لأنه يئول في حقيقته إلى التمليك من حيث دوام استحقاق المستأجر للعين المؤجرة ما دامت باقية، ومن حيث زهادة قيمة الأجرة، وفي هذه الحال يحكم ببطلان عقد الإجارة أصلا، لخلوه من تحديد المدة وراجع في ذلك هاتين الفتويين: 116630، 115215.
الثانية: مراعاة وجوب العدل بين الأبناء في العطية، فإن الذي يظهر من السؤال أن هذه الإجارة ليست واقعية، وإنما هي من باب تخصيص البنتين بهاتين الشقتين، أو بأجرتهما، وهذا لا يجوز إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي، كفقرهما، أو مرضهما دون بقية إخوتهما، فإن لم يوجد مسوغ وتوفي الوالد على هذا الوضع وجب رد هذه الشقق لبقية التركة ليعاد قسمة الجميع على مقتضى الأنصبة الشرعية للميراث، على أصح قولي العلماء، ولا يحل للذي فُضِّل أن يأخذ الفضل، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 107734، ورقم: 136232.
وعلى ذلك، فإن كانت هذه الإجارة صحيحة وعادلة من حيث قيمة الأجرة فمن حق الأختين إكمال مدة الإجارة فإن الراجح الذي عليه جمهور العلماء أن الإجارة لا تنفسخ بموت المؤجر، أو المستأجر، ويجب على كل منهما حينئذ أن تدفع الأجرة كاملة لبقية الورثة إلا قدر حصتها من التركة.
وأما إن كانت هذه الإجارة باطلة فيجب رد الشقتين إلى جميع الورثة، فإن رضوا بتأجيرهما للأختين مدة معلومة فلا بأس بذلك على ما يتفقون عليه من الأجرة ويكون لكل منهما حق في قيمة هذه الأجرة بقدر حصتها من التركة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 146383 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.