الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكرك على ثقتك بنا، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا عند حسن ظنك بنا، وأن يوفقنا وإياك إلى ما يحب ويرضى.
وإن صح ما ذكرت عن والدك فإنه قد أتى جملة من المنكرات ومنها:
أولا: ضربه لأمكم وإيذاؤها لها، وهذا من الظلم البين والاعتداء الفاضح الذي يستوجب الجزاء من قبل المحكمة الشرعية، وراجع في ضرب الزوجة الفتوى رقم: 69.
ثانيا: قذفه لأمكم وسبها في شرفها وعرضها، وهذا أمر لا يجوز، وراجع فيه الفتوى رقم: 32178.
ثالثا: عدم قيامه بواجب الإنفاق على من تجب عليه نفقته كالأخ الصغر، فيجب على الأب أن ينفق على من لا مال له من أولاده الصغار كما هو مبين بالفتوى رقم: 25339.
رابعا: إقامته علاقة محرمة مع النساء وشربه للخمر وتبذيره أمواله في ذلك، وهذه أمور محرمة بلا ريب، وهو مسئول عن ذلك أمام الله تعالى.
خامسا: سبه لك وتبرؤه منك وقذفه لك، فهذه أمور منكرة وقبيحة خاصة وأنه يتلفظ بذلك أمام الناس مما يزيد الأمر قبحا، فالأصل في الأب الشفقة على أولاده والرحمة بهم لا الغلظة والجفاء عليهم.
سادسا: وهو أعظمها على الإطلاق سبه للرب تعالى، فذلك الغاية في النكارة، وكفر بالله العظيم كما سبق أن بينا بالفتوى رقم: 144555.
ومع ما كل ما حصل من والدك فإنه يبقى والدا، وتبقى له ولدا، يجب عليك بره والإحسان إليه، فإن الشرع قد أمر ببر الوالد ولو كان كافرا كما قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15 } وراجع الفتوى رقم: 69103.
ومن أعظم إحسانك إليه أن تسعى في إصلاحه بمناصحته بالمعروف أو تسليط من يمكنه مناصحته والتأثير عليه، فإن صلح حاله كان ذلك خيرا لكم جميعا. ولا تنس أن تكثر من الدعاء له بالتوبة والهداية، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
وجمهور الفقهاء على أنه ليس للأب من مال ولده إلا ما كان محتاجا إليه، وبشرط أن لا يضر بولده في ذلك، فإذا طلب أبوك منك مالا وكان محتاجا إليه ولم يطلب منه ما يضر بك فادفعه إليه، عسى أن يعينك هذا الإحسان في سبيل سعيك في إصلاحه، وانظر الفتوى رقم: 101839.
وإذا كان من المحتمل أن يستخدم هذا المال في الحرام فمن المحتمل أيضا أن لا يستخدمه في ذلك، ولست مكلفا بالتنقيب في ذلك، فإذا أعطيته لم يلحقك إثم في ذلك.
وأما دعاء الوالد على ولده ظلما وعدوانا فإن الله تعالى أرحم من أن يستجيب لمثل هذه الدعوات، وفي كل الأحوال على الولد أن يتجنب أسباب غضب والده ودعائه عليه ما أمكنه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وراجع الفتوى رقم: 44804، 118261.
والله أعلم.