الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمذهب الظاهري تأسس على يد داود بن علي الأصبهاني وكان المجدد له هو محمد بن حزم الأندلسي حيث كان له الفضل في بيانه وتوضيحه ونشره، وللمذهب الظاهري فقهاء أجلاء عندهم تعظيم للنصوص وعناية بها لكنهم غلوا وأسرفوا في إنكار القياس حتى ما كان جلياً منه ففرقوا بين المتماثلات وجمعوا بين المختلفات وأتوا بأقوال شنيعة حملهم عليها الغلو في إنكار القياس والتعليل وخالفوا بذلك طريقة الصحابة ومن بعدهم في الاستدلال، جاء في إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد: والظاهرية معناها: الأخذ بظواهر النصوص دون النظر في معانيها وأسرارها، وعدم القول بالقياس، وهذا نقص في هذا المذهب. انتهى..
وللتعرف على المذهب الظاهري أكثر راجع الفتاوى التالية أرقامها: 147907، 58463، 58853.
وبالرغم من وجود بعض المسائل التي تخالف مذهب أهل السنة كإنكار القياس، فإن هذا المذهب عموماً يعتبر من مذاهب أهل السنة ولا مانع من تقليده - على القول الراجح - في بعض الأمور بشرط تحقيق مذهبهم في المسألة المراد تقليدهم فيها، جاء في الفواكه الدواني للنفراوي المالكي: ولذا قال بعض المحققين: المعتمد أنه يجوز تقليد الأربعة، وكذا من عداهم ممن يحفظ مذهبه في تلك المسألة ودون حتى عرفت شروطه وسائر معتبراته. انتهى.
وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 31408.
مع التنبيه إلى أن تقليد المذهب الظاهري كما هو الحال في تقليد أي مذهب آخر لا يجوز أن يكون من باب تتبع الرخص، بل الواجب التقيد في ذلك بالضوابط التي حددها أهل العلم، وراجع فيها الفتوى رقم: 5592. وبخصوص كناية الطلاق فقد اتفق أهل العلم من سلف الأمة على وقوع الطلاق بها إذا نواه الزوج، جاء في الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية: والسلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وجماهير الخلف من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم متفقون على أن اللفظ الذي يحتمل الطلاق وغيره إذا قصد به الطلاق فهو طلاق وإن قصد به غير الطلاق لم يكن طلاقاً، وليس للطلاق عندهم لفظ معين، فلهذا يقولون: إنه يقع بالصريح والكناية. انتهى.
وقد خالف الظاهرية هذا الاتفاق المنقول عن أهل العلم حيث قالوا لا يقع الطلاق إلا باللفظ الصريح دون الكناية وقد حصروا ألفاظ الطلاق في ثلاثة ألفاظ، وهي لفظ الطلاق والفراق والسراح، جاء في المحلي لابن حزم: وما عدا هذه الألفاظ فلا يقع به طلاق البتة - نوى بها طلاقاً، أو لم ينو - لا في فتيا ولا في قضاء - مثل: الخلية والبرية، وأنت مبرأة، وقد بارأتك، وحبلك على غاربك، والحرج، وقد وهبتك لأهلك، أو لمن يذكر غير الأهل والتحريم، والتخيير، والتمليك، وهذه ألفاظ جاء فيها آثار مختلفة الفتيا عن نفر من الصحابة - رضي الله عنهم - ولم يأت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أصلاً، ولا حجة في كلام غيره عليه الصلاة والسلام، لا سيما في أقوال مختلفة ليس بعضها أولى من بعض. انتهى.
ولم نر لأهل العلم كلاماً في جواز الأخذ بقول الظاهرية من عدمه في هذه المسألة بخصوصها، لكن خلاف الظاهرية لا يعتد به ولا يلتفت إليه مع وجود اتفاق من أهل العلم على خلاف ما قالوه، فقد ذكر كثير من أهل العلم أنه لا يعتد بخلاف الظاهرية، جاء في إرشاد الفحول للشوكاني: قال القاضي أبو بكر والأستاذ أبو إسحاق: أنه لا يعتد بخلاف من أنكر القياس ونسبه الأستاذ إلى الجمهور وتابعهم إمام الحرمين والغزالي قالوا: لأن من أنكر لا يعرف طرق الاجتهاد، وإنما هو متمسك بالظواهر فهو كالعامي الذي لا معرفة له ولا يخفاك أن هذا التعليل يفيد خروج من عرف القياس وأنكر العمل به كما كان من كثير من الأئمة فإنهم أنكروه عن علم به لا عن جهل له، قال النووي في باب السواك من شرح مسلم أن مخالفة داود لا تقدح في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون، وقال صاحب المفهم جل الفقهاء والأصوليين أنه لا يعتد بخلافهم، بل هم من جملة العوام وأن من اعتد بهم فإنما ذلك لأن مذهبه أنه يعتبر خلاف العوام في انعقاد الإجماع والحق خلافه، وقال القاضي وعبد الوهاب في الملخص: يعتبر كما يعتبر خلاف من ينفي المراسيل ويمنع العموم ومن حمل الأمر على الوجوب، لأن مدار الفقه على هذه الطرق، وقال الجويني: المحققون لا يقيمون لخلاف الظاهرية وزنا، لأن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد ولا تفي النصوص بعشر معشارها. انتهى.
وعليه، فلا نرى تقليد مذهب الظاهرية في مسألة عدم وقوع الطلاق بالكناية مع النية لما سبق.
والله أعلم.