الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق الحديث عن مدى ضمان سائق السيارة لأرواح من معه حال حصول حادث لهم، فليراجع ذلك في الفتوى رقم: 2152.
ولا شك أن ما حدث منك مما وصفته بابتزاز هذه المرأة بسبب سر تعرفه عنها أمر محرم، إذ هو مما ينافي الأخلاق الكريمة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم، فعليك أن تحدث لهذا توبة صادقة، وراجع الحديث عن حكم إفشاء السر في الفتوى رقم:27320.
والذي ننصحك به تجاه من ظلمك وأساء إليك هو أن تعفو وتصفح عنهم، فإن الله سبحانه يحب العفو وأمر به في غير موضع في كتابه ورغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة من الأحاديث الصحيحة، ويراجع الفتوى رقم: 43275.
ولكن إن أردت أن تنتصر لنفسك بالطرق المشروعة عن طريق مقاضاتهم فهذا لا حرج فيه، قال الفضيل بن عياض: إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقال: يا أخي اعف عنه، فإن العفو أقرب للتقوى, فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو، ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل, فقل له: إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو فإنه باب واسع فإنه ـ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ـ وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل وصاحب الانتصار يقلب الأمور. انتهى من ابن كثير باختصار.
فإذا وصل الأمر إلى القضاء الشرعي فالقاضي أعلم بهذه الإجراءات من طلب البينة والتحليف ونحو ذلك, ولكن القاعدة الشرعية أن البينة على المدعي واليمين على المنكر، أما عن موضوع ظلم النفس فما دمت كنت تسكت عن هذه الإساءات احتسابا وحرصا على مساعدة هذه الأسر المنكوبة فلا يدخل هذا في ظلم النفس ـ إن شاء الله ـ ولكننا ننبهك على أن أهل العلم قد نصوا على أن من اعتاد الإساءة وظلم الناس فمعاقبته أولى من العفو عنه استنادا لقوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ {الشورى: 39}.
جاء في تفسير القرطبي: أن يكون الباغي معلنا بالفجور وقحا في الجمهور, مؤذيا للصغير والكبير، فيكون الانتقام منه أفضل وفي مثله قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق.
الثانية: أن تكون الفلتة, أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة، فالعفو ها هنا أفضل, وفي مثله نزلت: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {البقرة:237}. انتهى.
والله أعلم.