الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فابتداء ننبه على أن أمر الفتور أمر لازم للإنسان في مسيرته الدينية والدنيوية لا يكاد ينفك عنه أحد من البشر, فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة, فإن كان صاحبها سدد، أو قارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
جاء في مدارج السالكين: كل مجد في طلب شيء لا بد أن يعرض له وقفة وفتور, ثم ينهض إلى طلبه قلت: لا بد من ذلك, ولكن صاحب الوقفة له حالان: إما أن يقف ليجم نفسه ويعدها للسير، فهذا وقفته سير, ولا تضره الوقفة، فإن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة. انتهى .
وعليه، فإنا ننصحك أن تبادر إلى استدراك ما كان من تفريط بسبب الفتور وأن تنهض إلى القيام بواجبك, ولا بأس بالتقلل من بعض النوافل حتى تتمكن من استدراك ما فاتك من مذاكرتك خصوصا وأن أمك تطالبك بذلك وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 76303 أن الوالدين إذا أمرا ولدهما بترك المندوب وكان لهما غرض صحيح في ذلك فإنه يطيعهما.
وأما إجراء أجر النوافل لك مدة انقطاعك عنها بسبب شغلك بالمذاكرة: فنرجو أن يكتب الله سبحانه لك ذلك ففضله سبحانه واسع وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن أبي موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد إذا مرض، أو سافر كتب له من الأجر كما كان يعمل مقيما صحيحا.
فنص الحديث على المرض والسفر، ولكن يلحق بهما ـ والله أعلم ـ كل عذر يمنع العبد عن ممارسة العمل الصالح مع وجود نية المداومة على العمل أن لو كان صحيحا, قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: فلذلك كل مرض من غير الزمانة وكل آفة من سفر وغيره يمنع من العمل الصالح المعتاد، فإن الله قد تفضل بإجراء أجره على من منع ذلك العمل بهذا الحديث. انتهى.
وفي شرح رياض الصالحين للشيخ العثيمين: أما إذا كان يعمله في حال عدم العذر, أي لما كان قادرا كان يعمله ثم عجز عنه فيما بعد فإنه يكتب له أجر العمل كاملا, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما، فالمتمني للخير الحريص عليه إن كان من عادته أنه كان يعمله ولكنه حبسه عنه حابس, كتب له أجره كاملا. انتهى.
وأما ما تذكر من توفيق الله سبحانه وتعالى للصحابة والأئمة ـ رضوان الله عليهم ـ فهذا من فضله سبحانه عليهم، ولكن له أسباب، ومن أعظم أسبابه الاستقامة على أمر الله سبحانه, وقد سبق الحديث عن ذلك في الفتوى رقم: 56062
أما تأخير لوازم التوبة مما أوصيناك به في الفتوى رقم: 151889 بسبب انشغالك بالمذاكرة فنرجو أن يكون الأمر في ذلك واسعا ـ إن شاء الله ـ ما دمت قد صدقت في توبتك وندمك على ما كان وعزمت على عدم العود ولكن عليك أن تحرص على إصلاح هذه الأمور فور قدرتك على ذلك.
والله أعلم.