الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيك وأهل بيتك في الدنيا والآخرة، وأن يعجل بفرجكم، وأن يكشف عنكم ما أهمكم.
ثم نذكرك أخانا الكريم ببشارة الله الكريم لعباده الصابرين، حيث يقول سبحانه : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) {البقرة}. وبالبشارة النبوية لكل مسلم برفع درجاته ومحو سيئاته بسبب المصائب، حيث يقول صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة . رواه مسلم. قال النووي : في هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين فإنه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور . وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها . وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات، وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء .اهـ.
فهذه الحال التي ذكرها السائل الكريم عن نفسه يمكن الاستدلال بها على إرادة الله الخير له، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة . رواه الترمذي . وحسنه الألباني .
وقد سبق لنا أن الدنيا دار ابتلاء، وبيان بعض ثمرات الابتلاءات والمصائب وفوائدها في الفتويين : 51946,16766. كما سبق لنا ذكر بعض البشارات لأهل البلاء وبيان الأمور المعينة على تجاوز المصائب في الفتاوى التالية : 18103,5249,39151.
وأما عن تفسير ذلك فلا يمكننا القطع به، ولكن المصائب التي تصيب الإنسان بصفة عامة قد تكون عقوبة على ذنوبه، وقد تكون تكفيرا لخطاياه أو رفعة لدرجاته وزيادة لحسناته، وقد تكون لتمحيصه وتمييزه عن من يعبد الله على حرف. وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتاوى التالية : 27048,44779,27585.
كما إنها قد تكون بسبب ظلم بني آدم، وبغي بعضهم على بعض بالعين والحسد ونحو ذلك، كما سبق بيانه في الفتاوى التالية : 30851,16755,17587.
وعلى أية حال فالأمر سواء إذا حلت المصائب، فلا بد في جميع الأحوال من الصبر وعدم الجزع والتشكي مع حسن التوكل على الله، وصدق اللجوء إليه والاستعانة به، وكثرة الدعاء وتلاوة القرآن، واستعمال الرقية الشرعية. هذا مع التوبة وكثرة الاستغفار، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والاستقامة على طاعة الله تعالى ولزوم تقواه، فإن ذلك جماع الخير وأقرب مفاتح الفرج، كما قال عز وجل : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) ....... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) {الطلاق}.
والله أعلم.