الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكأن مراد هذا القائل - والله أعلم - أن الحياة الحقيقية لا تحصل إلا لمن اشتغل بعبادة الله تعالى وعمل بطاعته، وعلى رأس تلك العبادات الصلاة، فمن قصر فيها أو ضيعها فليس بحي على الحقيقة، وإن كان في الصورة معدودا من الأحياء، وبقدر تفريط العبد في طاعة ربه وعلى رأسها الصلاة يكون نقص حياته الحقيقية، قال الله تعالى: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا {الأنعام:122} .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ {الأنفال:24} فمن استجاب لداعي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نال الحياة الحقة وحصل له من اللذة والأنس والنعيم ما لا يوصف، ومن استرسل مع الشهوات وانهمك في المعاصي واللذات أفقد قلبه حظه من هذه الحياة فصارت له صورة حياة فحسب، وهي حياة مشبهة لحياة البهائم والعجماوات لا ينتفع بها صاحبها.
قال ابن القيم رحمه الله: الْحَيَاة النافعة إِنَّمَا تحصل بالاستجابة لله وَرَسُوله، فَمن لم تحصل لَهُ هَذِه الاستجابة فَلَا حَيَاة لَهُ، وَإِن كَانَت لَهُ حَيَاة بهيمية مُشْتَركَة بَينه وَبَين أرذل الْحَيَوَانَات، فالحياة الْحَقِيقِيَّة الطّيبَة هِيَ حَيَاة من اسْتَجَابَ لله وَالرَّسُول ظَاهرا وَبَاطنا، فَهَؤُلَاءِ هم الْأَحْيَاء وَإِن مَاتُوا، وَغَيرهم أموات وَإِن كَانُوا أَحيَاء الْأَبدَان، وَلِهَذَا كَانَ أكمل النَّاس حَيَاة أكملهم استجابة لدَعْوَة الرَّسُول، فَإِن كَانَ مَا دَعَا إِلَيْهِ فَفِيهِ الْحَيَاة، فَمن فَاتَهُ جُزْء مِنْهُ فَاتَهُ جُزْء من الْحَيَاة، وَفِيه من الْحَيَاة بِحَسب مَا اسْتَجَابَ للرسول. انتهى.
والصلاة هي ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، ومنزلتها من الدين والنصوص الواردة في فضلها وخطر إضاعتها لا تكاد تحصى كثرة، وقد كانت قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه أنه قال: وجعلت قرة عيني في الصلاة. ولا شك في أن المحافظة عليها من أهم ما يلزم العبد، وهي من أصول الاستجابة لله ورسوله، فمن ضيعها أو فرط فيها نقص من حياته الحقيقية التي ينتفع بها بقدر ما فرط أو أضاع.
والله أعلم.