الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الصرف على الأولاد يكون حسب احتياجاتهم ولا يجب العدل فيه. والتسوية بينهم تعتبر بسد حاجتهم جميعا على السواء، وكل حسب حاجته الطبيعية أو الشرعية، ولا يضر تفاوت حاجاتهم، فإن هذا من المسوغ الجائز شرعا والمقبول طبعا.
وأما العطية والهبة فيجب العدل فيها بين الأبناء إن لم يكن تخصيص أحدهم بها لمسوغ معتبر شرعا على الراجح.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: لو احتاج أحد الأبناء إلى زواج فزوجه فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا لزواجه، ولكن عليه إذا بلغ الآخرون سن الزواج وأرادوا أن يتزوجوا أن يزوجهم كما زوج الأول. اهـ
ولذلك فما دام الأب قد صرف على أبنائه حسب قدرته وحسب حاجاتهم ولم يقصد التمييز بينهم فإن ذلك لا حرج فيه إن شاء الله تعالى، ولا يعتبر جورا أو تفريقا بينهم.
قال ابن قدامة في المغني: فإن خص بعضهم لمعنى مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف : لا بأس به إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة والعطية في معناه. انتهى.
وأما نفقة البنت فإن كانت ذات مال فنفقتها في مالها، وإن لم يكن لها مال وكانت صغيرة أو عاجزة عن الكسب فنفقتها على أبيها، ولا يلزم غيره نفقتها ما دام الأب موسرا، وإذا مات الأب وكان للبنت مال فنفقتها في مالها قبل أن أن تتزوج، وإن كانت غير ذات مال فنفقتها على قرابتها وذوي رحمها قال ابن عابدين: وتجب ( النفقة) أيضا لكل ذي رحم محرم صغير أو أنثى مطلقا ولو كانت الأنثى بالغة صحيحة. الدر المختار.
ولو لم يكن لها من ينفق عليها وهي قادرة على الكسب فعليها أن تتكسب لتنفق على نفسها. قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: ويجب (الكسب) على من لا قوت له.)
وأما وصية الأب لابنه بالنفقة عليه وصرف منافع عقارة وغيره في ذلك فهي وصية، والوصية للوارث لا تمضي إلا إذا رضي الورثة بإمضائها، كما فصلناه في الفتوى رقم: 121878.
وبالتالي فجميع ما تركه الأب من عقار وغيره يعتبر تركة، وتجب قسمته بين جميع الورثة كل حسب نصيبه المقدر له شرعا، ومن ذلك كون الذكر من الأبناء له مثل حظ أنثين، ولا تمضي وصية الأب المذكورة لابنه إلا إذا أجازها بقية الورثة.
والله أعلم.