الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالكبر الذي جاء الوعيد عليه، وهو من كبائر الذنوب، إنما هو احتقار الناس وازدراؤهم، ورد الحق وإباؤه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم.
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 24081.
ولا يدخل في ذلك اعتزاز المرء بنفسه في الموضع المناسب، وصيانته لها عن الدنايا، ما لم يصحب ذلك احتقار للناس، أو ظلم لهم، وراجع في الفتويين رقم: 74593، ورقم: 132572.
وقد عقد الإمام ابن القيم في كتاب الروح فصولا للتفريق بين المتشابهات، ومنها الفرق بين شرف النفس والتيه، ومنها الفرق بين الكبر والصيانة، فقال: أما شرف النفس فهو صيانتها عن الدنايا والرذائل والمطامع التي تقطع أعناق الرجال فيربأ بنفسه عن أن يلقيها في ذلك، بخلاف التيه فإنه خلق متولد بين أمرين: إعجابه بنفسه وازدرائه بغيره فيتولد من بين هذين التيه، والأول يتولد من بين خلقين كريمين: إعزاز النفس وإكرامها وتعظيم مالكها وسيدها أن يكون عبده دنيَّا وضيعا خسيسا، فيتولد من بين هذين الخلقين شرف النفس وصيانتها. اهـ.
وقال في بيان الفرق بين الصيانة والتكبر: الصائن لنفسه بمنزلة رجل قد لبس ثوبا جديدا نقي البياض ذا ثمن فهو يدخل به على الملوك فمن دونهم، فهو يصونه عن الوسخ والغبار والطبوع وأنواع الآثار إبقاء على بياضه ونقائه، فتراه صاحب تعزز وهروب من المواضع التي يخشى منها عليه التلوث، فلا يسمح بأثر ولا طبع ولا لوث يعلو ثوبه، وإن أصابه شيء من ذلك على غرة بادر إلى قلعه وإزالته ومحو أثره، وهكذا الصائن لقلبه ودينه تراه يجتنب طبوع الذنوب وآثارها، فإن لها في القلب طبوعا وآثارا أعظم من الطبوع الفاحشة في الثوب النقي للبياض، ولكن على العيون غشاوة أن تدرك تلك الطبوع، فتراه يهرب من مظان التلوث ويحترس من الخلق ويتباعد من تخالطهم، مخافة أن يحصل لقلبه ما يحصل للثوب الذي يخالط الدباغين والذباحين والطباخين ونحوهم، بخلاف صاحب العلو فإنه وإن شابه هذا في تحرزه وتجنبه فهو يقصد أني علو رقابهم ويجعلهم تحت قدمه فهذا لون وذاك لون. اهـ.
والله أعلم.