الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمجرد انفصال الوالدين لا يبيح التقصير في حق أحدهما، وإنما تجب المداومة على برهما وطاعتهما في المعروف، ولا يخفى أن حق الأم على ولدها عظيم، وهي مقدمة على البر على الأب، فالواجب عليك برها وصلتها والإحسان إليها، ولا يمنعك من خلافك مع زوجها أو سوء خلقه، إلا إذا كان عليك أو عليها ضرر ظاهر في زيارتها، أو منعك الزوج صاحب المنزل منها، فحينئذ يجوز لك الاكتفاء بصلتها بما تقدر عليه من غير ضرر كما بينا في الفتوى رقم: 120702.
وأما صلتك لأقاربك فاعلم أن الشرع لم يحدد لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو قدراً محدداً، وإنما المرجع في ذلك إلى العرف واختلاف الظروف، فتحصل الصلة بالزيارة والاتصال والمراسلة والسلام، وكل ما يعده العرف صلة، قال القاضي عياض: وللصلة درجات، بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولو يصل غايتها لا يسمى قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه، وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلاً. نقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري. وراجع الفتوى رقم: 40387.
واعلم أن من أعظم أنواع البر بوالديك والإحسان إليهما أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر برفق وأدب، فداوم على نصحهما ببر والديهما وصلة أرحامهما، وما تقوم به من الكلام الذي يجلب المودة ويذهب الشحناء -وإن لم يكن واقعاً- فليس ذلك من الكذب المذموم، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيراً، وينمي خيراً. رواه مسلم.
واعلم أن حرصك على إصلاح ذات البيت من أفضل الأعمال عند الله، فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة. قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة. رواه أبو داود.
والله أعلم.