الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن من ذكرهم الأخ السائل من كبار أهل العلم الثقات، وهم وأمثالهم هم المؤهلون للحكم في مثل هذه المسائل، ولكن لا نرى في فتوانا التي نقلها السائل ما يعارض كلامهم، فنحن قيدنا الكلام بوجود طائفة من هذه الجماعة تلتزم بالسنة وتنتهج نهج الصحابة الكرام، ولا تصاحب دعوتَهم مخالفةٌ شرعية.
ونحن ننقل للسائل الكريم إحدى فتاوى الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ ليعلم أن الحكم منوط بواقع حال الجماعة، فقد سئل الشيح: نحن سكان في البادية منا من هو مستقر في هجرة، ومنا من هو يتبع حلاله، ويأتينا جماعة الدعوة للتبليغ منهم من نعرفه شخصياً ونثق بصدق نيته إلا أنهم ليسوا علماء، ومنهم علماء ويدعوننا للخروج للهجر التي حولنا ويحددون لذلك أياما وأسابيع وأشهر مع ملاحظتنا أن حلق الذكر التي تعمل عندنا ليس عليها أي اشتباه هل يجوز الاستماع لهم؟ أو الخروج معهم للهجر المجاورة أو خارج المملكة؟ نرجو من فضيلتكم التوضيح عن ذلك والكتابة لي لكوني مرسولا من جماعتي ولا يقتنعون إلا بخطاب من فضيلتكم جزاكم الله عنا وعن كافة المسلمين خير الجزاء.
فأجاب الشيخ ـ رحمه الله ـ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده: إذا كان المذكورون معروفين بالعقيدة الطيبة والعلم والفضل وحسن السيرة فلا بأس بالتعاون معهم في الدعوة إلى الله سبحانه، والتعليم والنصيحة؛ لقول الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اهـ.
فهل يرى السائل فرقا بين هذه الفتوى المحكمة وبين فتوانا التي نقلها. ومن كلام الشيخ ـ رحمه الله ـ في هذا المجال أيضا قوله: الجماعة التي يجب اتباعها والسير على منهاجها هم أهل الصراط المستقيم، هم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وهم أتباع الكتاب والسنة الذين يدعون إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا، أما الجماعات الأخرى فلا تتبع منها أحدا إلا فيما وافقت فيه الحق، سواء كانت جماعة الإخوان المسلمين أو جماعة التبليغ أو أنصار السنة أو من يقولون: إنهم السلفيون، أو الجماعة الإسلامية، أو من تسمي نفسها بجماعة أهل الحديث، وأي فرقة تسمي نفسها بأي شيء فإنهم يطاعون ويتبعون في الحق، والحق ما قام عليه الدليل، وما خالف الدليل يرد عليهم ويقال لهم: قد أخطأتم في هذا .. . هذا يقوله لهم أهل العلم، فهم الذين يبصرون الجماعات الإسلامية. فأهل العلم العالمون بالكتاب والسنة الذين تفقهوا في الدين من طريق الكتاب والسنة هم الذين يعرفون تفاصيل هذه الجماعات، وهذه الجماعات عندها حق وباطل فهي ليست معصومة، وكل واحد غير معصوم. اهـ.
فانظر ـ رحمك الله ـ كيف ربط الشيخ حكمه بواقع الحال لا بأسماء الجماعات، وكيف قصر الكلام في مثل هذه المسائل على أهل العلم ؟!
وخذ مثالا أخر لواحد من كبار أهل العلم في هذا العصر، وهو العلامة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ فقد قال في إحدى (لقاءات الباب المفتوح) لما سئل عن هذه الجماعة، قال: الغالب أن كل المسائل يكون الناس فيها طرفين ووسطاً: فمن الناس من يثني على هؤلاء كثيراً، وينصح بالخروج معهم، ومنهم من يذمهم ذماً كبيراً، ويحذر منهم كما يحذر من الأسد، ومنهم متوسط، وأنا أرى أن الجماعة فيهم خير، وفيهم دعوة، ولهم تأثير لم ينله أحد من الدعاة، تأثيرهم واضح، كم من فاسق هداه الله! وكم من كافر آمن! ثم إنه من طبائعهم التواضع والخلق والإيثار، ولا يوجد في الكثيرين، ومن يقول: إنهم ليس عندهم علم حديث أو من علم السلف أو ما أشبه ذلك؟ هم أهل خير ولا شك، لكني أرى أن الذين يوجدون في المملكة لا يذهبوا إلى باكستان وغيرها من البلاد الأخرى؛ لأننا لا ندري عن عقائد أولئك ولا ندري عن مناهجهم، لكن المنهج الذي عليه أصحابنا هنا في المملكة منهج لا غبار عليه، وليس فيه شيء .. اهـ.
فهذا حكم الشيخ المبني على معرفته بجماعة التبليغ في المملكة.
وقد سبق لنا التنبيه على ما نبه عليه الشيخ ـ رحمه الله ـ في مطلع جوابه، وذلك في الفتوى رقم: 9565، فذكرنا اختلاف كلمة العلماء حول هذه الجماعة بين مؤيد ومعارض، ومادح وقادح، فمنهم من ذمها وعارضها بإطلاق، ومنهم من مدحها وأيدها بإطلاق، والمحققون من أهل العلم سلكوا معها سبيل الإنصاف، فقبلوا منها ما وافق الدليل، وردوا عليها ما لم يكن كذلك.
وختاما .. نعيد ما ذكرناه في جواب سؤال سابق عن جماعة التبليغ، وهو التنبيه على أن هذا الموقع ليس معنياً بتقييم الجماعات والطوائف، وليس هذا مجال تخصصه، فإن الحكم على جماعة حكماً دقيقاً يتطلب الوقوف على منهجها العلمي والعملي من خلال كتبهم ومؤلفاتهم ومعرفة أحوالهم، فراجع الفتوى رقم: 50440.