الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا علاج أنجع ولا أنفع للوسواس من الإعراض عنه والانصراف عن التفكير فيه، ولا يضرك أمره إن شاء الله ما دمت كارهة له، ولا يخرج صاحبه بذلك عن الدين ولا يأثم، بل هو مثاب على كراهته وخوفه منه، لأن هذا صريح الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وجد بعض الصحابة رضوان الله عليهم شيئاً من ذلك وشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم: عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان.
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى وكرمه ورأفته بعباده أن رفع عنهم الحرج والمؤاخذة بالخطأ وما استكرهوا عليه. ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه الطبراني وصححه الألباني.
لذلك نقول للأخت السائلة هوني على نفسك، فأنت لست كافرة والحمد لله تعالى، بل أنت مسلمة تكرهين وساوس الشيطان وتريدين التخلص منها، ولو افترضنا أنك وقعت في ذنب ثم تبت منه فإن الله يغفره مهما كان، ولو تكرر ذلك عدة مرات، وعليك أن لا تعيري هذه الوساوس والتخيلات أي اهتمام، فإن كل ما يخيل إليك أمام عينيك أو يخطر ببالك من الخواطر التي لا تليق بجلال الله تعالى فإنك لا تؤاخذين عليه ما دمت تكرهين ذلك لأنه خارج عن إرادتك، فلتعرضي عن سائر تلك الوساوس إعراضاً كاملاً، ولا تسترسلي فيها بالغة ما بلغت.
وننصحك باللجوء إلى الله تعالى والاستعاذة به من شر الشيطان وكيده والمواظبة على قراءة المعوذتين وأذكار الصباح والمساء بانتظام مع عدم الانصياع لما يروج له من التقليل من شأن الدين ونحو ذلك، وقد نقلنا في فتاوى سابقة كلام العلماء في ذلك، ومنه قول ابن حجر الهيتمي حينما سئل عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين بل وأقبح منهم كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها. إلى أن قال: وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته. انتهى.
مع التنبيه على أنه لا يجوز قطع الصلاة بسبب الوسوسة، وأفضل وسيلة لطرد الشيطان ووساوسه في الصلاة هو أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وتتفلي عن يسارك ثلاث مرات، فإنه سيذهب بإذن الله، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 50398.
كما ينبغي مراجعة المختصين في علاج الأمراض العصبية وغيرها من الأمراض النفسية، ولا مانع من أن تعرضي نفسك على من يوثق بدينه وورعه من العارفين بالرقية الشرعية، مع الحذر كل الحذر من أصحاب الشعوذة والدجل، والله سبحانه وتعالى هو الشافي حقيقة، وهو أكرم وأعدل من أن يسلط على عبده ما لا يستطيع دفعه، ثم يؤاخذه على ما ليس في وسعه. وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 128517.
والله أعلم.