الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من علم شيئا تجوز له الشهادة فيه، ولا يجوز له أن يشهد بما لم يعلمه، لقول الله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {الزُّخرف:86}.
وقوله تعالى: وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا {يوسف: 81}.
وقال ابن قدامة في المغني: وما أدركه من الفعل نظراً، أو سمعه تيقناً وإن لم ير المشهود عليه شهد به، وجملة ذلك أن الشهادة لا تجوز إلا بما علمه، بدليل قول الله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الزخرف: من الآية86 ـ وقوله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً الإسراء:36ـ وتخصيصه لهذه الثلاثة بالسؤال، لأن العلم بالفؤاد، وهو يستند إلى السمع والبصر، ولأن مدرك الشهادة الرؤية والسماع، وهما بالبصر والسمع، وروي عن ابن عباس أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، قال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد، أو دع. اهـ.
والحديث رواه الخلّال والحاكم وضعفه ابن حجر في التلخيص.
والنجاة من هذا تكون بالتوبة، فقد قال الله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ { الأنعام: 54}.
وقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:110}.
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم.
والتوبة النصوح من أي ذنب تكون بالإقلاع عنه خوفاً من الله تعالى وتعظيماً له وطلباً لمرضاته، والندم الصادق على فعله، والعزم الأكيد على عدم العودة إليه أبداً، مع رد المظالم إلى أهلها إن كان هناك مظالم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.
فأيا كان الذنب فالتوبة منه تكون بما سبق، وراجع في هذه الشروط الفتويين رقم: 5450، ورقم: 29785.
والتوبة من شهادة الزور لا تتم إلا بالتخلص من آثارها ورد الحقوق التي ضاعت على أهلها بسببها، كما سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 72854، ورقم: 21337.
وقد سبق بيان التوبة من الكذب في الفتوى رقم: 40305.
وراجع للمزيد من الفائدة عن التوبة في الفتاوى التالية أرقامها: 22378، 17308، 28748، 16907.
والله أعلم.