الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن الصلاة قد خصت بأفعال مخصوصة على هيئات مخصوصة، ومن ذلك الجهر في أوقات الجهر، والسر في أوقات السر… والنبي صلى الله عليه وسلم صلى هكذا وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي. رواه البخاري. والمقصد الشرعي هو التعبد لله تعالى على هذه الهيئة المخصوصة . ولا يشترط في العبادة إدراك وجه الحكمة منها؛ وإن كانت لا تخلو من حكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، والعبد كما أنه بإدراكه أسرار التشريع يزداد يقيناً بحكمة الشارع، وعظمة هذا الدين، فإنه يمتحن بالتسليم لما يعجز عن إدراكه ليختبر صدق إيمانه، وقد ذكر بعض الفقهاء حكمة الجهر في القراءة في الأوقات الجهرية.
ففي حاشية الشرواني على تحفة المحتاج في الفقه الشافعي: وبقي حكمة الجهر ما هي؟ ولعلها أنها لما كان الليل محل الخلوة ويطيب فيه السمر شرع الجهر فيه إظهارا للذة مناجاة العبد لربه وخص بالأوليين لنشاط المصلي فيهما، والنهار لما كان محل الشواغل والاختلاط بالناس طلب فيه الإسرار لعدم صلاحيته للتفرغ للمناجاة، وألحق الصبح بالصلاة الليلية لأن وقته ليس محلا للشواغل عادة كيوم الجمعة. انتهى.
وقد ذكر العلماء حكماً أخرى، ولا يمكننا القطع بأنها أو أي منها سر التفريق بين صلاة الليل والنهار في الجهر والإسرار، وحسبنا أن نقول كما أرشدنا ربنا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. [البقرة:285].
وفي الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني : والحكمة في طلب الجهر في صلاة الليل والإسرار في صلاة النهار أن صلاة الليل تقع في الأوقات المظلمة فينبه القارىء بجهره المارة، وللأمن من لغو الكافر عند سماع القرآن لاشتغاله غالبا في الليل بالنوم أو غيره بخلاف النهار، وإنما طلب الجهر في الجمعة والعيدين لحضور أهل البوادي والقرى، فأمر القارىء بالجهر ليسمعوه فيحصل لهم الاتعاظ بسماعه. انتهى.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم :28213 والفتوى رقم : 8139
والله أعلم.