الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعـد:
فإن التمسك بالكتاب هو عين الإصلاح، كما جاء في التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي: وقوله تعالى: والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين ـ وأقام ذكر المصلحين مقام الضمير، لأن المصلحين هم الذين يمسكون بالكتاب، وقد ذكر الله تعالى إقام الصلاة على سبيل الخصوص تنويها بها وهذا من ذكر الخاص بعد العام وقد كثر في الصلاة كما في قوله سبحانه لموسى عليه السلام: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ـ وقوله تعالى: اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة ـ ونظائر ذلك كثيرة.
ويقول مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ { النحل:44}.
ويقول جل من قائل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً { النساء:65}.
ويقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا { الحشر: 7}.
وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن المقدام بن معد يكرب الكندي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوتيت الكتاب ومثله، ألا يوشك شبعان على أريكته يقول عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه.
وفي رواية: ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله تعالى.
ويدخل في التمسك بالقرآن التمسك بما أجمع عليه وبالقياس المعتبر واجتهاد المجتهدين فيما ليس فيه نص لقوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر. متفق عليه. واستدل أهل العلم لحجية الإجماع بقوله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا {النساء:115}.
والله أعلم.