الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فدعوى مساواة المرأة بالرجل في كل شيء وبلا استثناء دعوى منكرة، ومصادمة للفطرة، ومناقضة للشرع، وقد تولى كبرها في بلداننا بعض أبناء جلدتنا ممن رضعوا ثقافة أعدائنا، أو انهزموا أمام المدنية الغربية، واغتروا بزيفها فزعموا -وكذبوا- أن دافعهم هو إنصاف المرأة وتحريرها من الظلم، وفكها من القيود.
ومساواة الجنسين مساواة مطلقة هي الظلم لهما عند العقلاء وأصحاب الفطر السليمة، فمثلاً: لو أن رجلاً سافر مع طفل له صغير ومعهما حمولة ثقيلة، فحمل الأب نصفها وألزم الصغير بحمل النصف الآخر بحجة العدل والمساواة، فإن من يراهما من عقلاء الدنيا يجزم بأن هذا هو الظلم بعينه، وأن العدل والقسط أن كلا منها يحمل ما يطيقه ويقدر عليه.
والعقل والفطرة يجزمان بأن لكل من المرأة والرجل خصائصه المنبنية على تكوينه العقلي والنفسي والجسماني الذي يختلف اختلافاً واضحاً عن الطرف الآخر، فهل يعقل أن تتساوى وظيفتهما مع هذا الاختلاف، أم أن العقل والفطرة والعدل والقسط كلها تجزم بأن يكلف كل منهما من الواجبات ما يقدر عليه، ويعطى من الحقوق ما يستحقه، ويسند إليه من الوظائف ما يلائمه ويناسبه، وهذا هو الذي جاء به الشرع وقرره قسطاً وعدلاً (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) .
ومن ذلك أن الله جعل القوامة للرجل على المرأة لتتفرغ المرأة لوظيفتها الكبرى وهي: القيام برعاية ومصالح البيت والأولاد، فإنه من الظلم أن يطلب من المرأة أن تحمل وترضع وتربي، ثم يطلب منها العمل والكد من أجل حماية نفسها وأسرتها والسعي عليهم في آن واحد، فكان العدل أن يعطى الرجل القوامة لما فيه من خصائص تؤهله لذلك، كما أن المرأة عندها من الرقة والعاطفة وسرعة الانفعال والاستجابة لمطالب الطفولة ما أهلها لتربية الأطفال، والقيام على شؤونهم في البيت، وهو ما يعجز الرجل عن القيام به.
ثم إن الأسرة مع صغرها فهي مؤسسة عائلية لابد لها من إمارة ورئاسة حتى تستقيم أمورها، فإما أن يكون الرئيس هو الزوج، وإما أن تكون الزوجة، وإما هما معاً، وإما غيرهما، وإما لا أحد، وليس هنالك حل آخر.
فإن كانت الأسرة بلا قيادة، فلا تسأل عما ينشأ عن ذلك من الفوضى لسبب بسيط وهو تضارب المصالح واختلاط الأولويات وتعارض الرغبات، فمصير أسرة بلا رأس هو الزوال والاضمحلال والتشرد والجنوح.
والحل الثاني هو: تسيير شؤون الأسرة من قبل أحد غير منتمٍ لها، وهذا لا يتأتى ولا يستقيم، إذ من الضرورات لإدارة الأسرة: المعرفة والعلم بأسرارها وظواهرها وبواطنها، وهذا لا يتأتى للغريب.
والحل الثالث: أن تكون القوامة للرجل والمرأة معاً، وهذا عين الفساد، فأي كيان يحتاج إلى إدارة، لا ينبغي أن تتوزع الكلمة الأخيرة فيه على أكثر من واحد. ومن هنا فلا سبيل إلى الشراكة في القوامة.
والحل الرابع: أن تكون القوامة بيد الزوجة، ومن هنا تتعثر مصالح الأسرة ولابد، وذلك بحكم طبيعة المرأة، تلكم الطبيعة التي تطلب منها الاستقرار في البيت للقيام بوظيفة الإنجاب والتربية ومصالح البيت والأولاد أحسن قيام، مما يفوت عليها الاطلاع الشمولي على مجريات الأحداث خارج البيت، وهو ما يجعلها غير قادرة على القيام بمهمة كهذه، فإن فعلت فهو تقمص لشخصية غير مناسبة، وإسناد للأمر إلى غير أهله، فتضيع قوامة الأسرة، بالإضافة إلى مصالح البيت والطفل، كما هو شأن البيوت التي جرفتها موجة التغريب.
فلم يبق إلا الحل الإسلامي الذي أمر به من خلق الخلق، وهو أعلم بما يصلحهم وينفعهم (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وهو أن تكون القوامة بيد الرجل.
قال سبحانه وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34] فالله جعل القوامة للرجل على المرأة، وعلل ذلك سبحانه بتفضيل الرجل على المرأة، وبإنفاقه عليها من ماله، فمن أنفق كان له حق الإشراف، وهذا تقرره كل الشرائع، بل تقرره القوانين الوضعية.
وأما تفضيل الرجل على المرأة فهو تفضيل لا يغض من كرامتها، ولا ينال من مكانتها، فهي لها مجالها ووظيفتها التي لا يستطيع الرجال القيام بها، فهي وإن كانت أضعف من الرجل في تحمل مسؤولية وأعباء القوامة إلا أنها أكثر منه صبراً وجلداً وسهراً على تربية الأولاد، والعناية بمصالح البيت التي لو وكلت إلى الرجل لضاق بها ذرعاً، ولعجز عنها، كما أن القوامة ليست استعباداً للمرأة، ولا تسلطاً عليها من قبل الرجل، بل هي قوامة تصان فيها كرامتها، وتنال بها حقوقها علىأكمل وجه، فالله جل وعلا يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة:228] .
فقوامة الرجل على المرأة في الإسلام قوامة رعاية وإدارة وحفظ لا قوامة تسلط وتجبر واستعباد.
وأما لماذا خلقت المرأة من ضلع أعوج؟! فالجواب على هذا من وجهين:
الأول: أن السائل قد طرحه على الله! والله جل وعلا لا يسأل عما يفعل، ومن طرح السؤال على الله بهذه الطريقة، فإنه على خطر عظيم.
الثاني: أن هذا مثل قوله تعالى: (خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) [الانبياء:37] وكل ذلك تقدير من العليم الخبير ليتم الابتلاء، وتتحقق العبودية.
وعلى كل، فليس فيه إهانة للمرأة أبداً، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره حثاً منه على الإحسان إليها، والعناية بها.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" .
ولمسلم عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمعت وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها" .
فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث يبين حقيقة المرأة ومزاجها الذي فطرت عليه، فهي لا تستقيم على حال واحدة يريدها الزوج، فينبغي له أن يعلم أن ذلك في المرأة سجية وخليقة، فلا يحاولَنَّ أن يقيمها على الكمال المطلق الذي وقر في خلده، ولكن عليه أن يصلحها مع مراعاة مزاجها الأنثوي الذي خلقها الله عليه، فيداريها ويجاملها ويلاينها ويصبر عليها.
وحيثما يرسخ في عقل الزوج المسلم هذا الهدي النبوي المبني على تفهم عميق لنفسية المرأة، فإنه يتسامح في كثير من هفوات زوجته، ويغض الطرف عن كثير من تقصيرها تقديراً منه لخلقتها وفطرتها، فيكون بيت الزوجية آمناً هادئاً سعيداً، لا صراخ فيه ولا صخب ولا خصام، وهذا المراد من الحديث الذي صدَّره النبي صلى الله عليه وسلم وختمه بالوصية بالنساء خيراً.
وأما لماذا نقصان دين وعقل المرأة؟
فأولاً: نقول إن الذي فرق بين الرجل والمرأة في أمور ولم يفرق بينهما في أخرى هو الحكيم الخبير خالق الناس ذكوراً وإناثاً، وهو الذي جعل كلاً من الرجل والمرأة صالحاً لأمر دون آخر، فخلق -سبحانه- فسوى وقدر وأحكم.
ومن حكمته وتقديره أن جعل المرأة ناقصة عقل ودين، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار! فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير! ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها! أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها" .
وقد نبه الله سبحانه وتعالى على السبب في جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، فقال سبحانه: ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) [البقرة: 282] .
ومن هنا نعلم أن المرأة لا تنفك عن نقصان عقلها ودينها، ولو كانت رائدة فضاء أو عالمة ذرة أو ملكة إمبراطورية.
وليس المراد من الحديث لومهن على نقصان العقل والدين، إذ لا دخل لهن في ذلك، فالأول: بأصل الخِلقة، والثاني: بتكليف الشرع. وإنما جاء الحديث لبيان حالهن، فلا تأثم بما تركت من فرائض في فترة حيضتها ونفاسها؛ وإن كانت لا تؤجر كأجر من فعلها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وخلق الله عقل المرأة أقل ضبطاً وحفظاً للأمور من عقل الرجل لحكمة منها: ملائمة وظائفها الأخرى التي تحتاج فيها إلى كمال العاطفة أكثر من احتياجها فيها إلى كمال العقل.
ولذا، فإن الشهادة -والتي تحتاج فيها الأمور إلى تثبت وإعمال عقل- جعلت فيها شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل صوناً للحقوق، بحيث إذا نسيت إحدى المرأتين من الواقعة شيئاً ذكرتها الأخرى، وهذا ليس في كل شهادة، وإنما في ما تحتاج فيه الشهادة إلى إعمال العقل.
قال ابن القيم في الطرق الحكمية: قال شيخنا ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) [البقرة:282] . فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة وهو النسيان وعدم الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "وأما نقصان عقلهن فشهادة امرأتين بشهادة رجل" ، فبين أن شطر شهادتهن إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين، فعُلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة لم تكن على نصف رجل، وما تقبل فيه شهادتهن منفردات إنما هي أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل، كالولادة والاستهلال والارتضاع والحيض والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا يُنسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى إعمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدَين وغيره، فإن هذه معان معقولة ويطول العهد بها في الجملة. انتهى.
وأما لماذا ميراث الذكر مثل حظ الأنثيين، فلأن الله سبحانه وتعالى هو الذي أوصى بذلك قائلاً سبحانه: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء:11] .
فهذه وصية الله ولا يجوز الاعتراض عليها؛ وإن لم تظهر الحكمة من ذلك، فما بالك والحكمة من هذا التشريع واضحة جلية لكل ذي عقل، فالرجل هو الذي يدفع المهر للمرأة، وهو ملزم بالإنفاق عليها -وإن كانت غنية-، بل هو ملزم بدفع أجرة الرضاعة إن كانت المرضع غير الأم، هذا بالإضافة إلى مسؤولياته الأخرى تجاه أهله وأقاربه ومجتمعه، فكل هذا -وغيره كثير- يجعل العاقل المنصف يرى أن إعطاء الرجل ضعف ما لأخته من الميراث هو عين الحق والعدل والقسط، ولا يجادل في ذلك إلا مكابر.
والحاصل أن الإسلام وضع كلاً من الرجل والمرأة في موضعه المناسب، وكلفه تكليفه الموافق لفطرته وخلقته، وشرع لذلك من الأحكام والتشريعات ما يصلح للجنسين، ويجعلهما متكاملين غير متنافرين.
فالتركيز على جانب من جوانب التشريع الإسلامي وسلخه سلخاً عن بقية الأحكام والتشريعات هو الذي يُظهر الإسلام لضعفاء النفوس والعقول وكأن خللاً أو نقصاً ما يوجد فعلاً في شرع الله سبحانه.
وليس لأحد أن يتناول حكماً شرعياً مستقلاً عن الأحكام الشرعية الأخرى والمرتبطة ارتباطاً بالعقيدة الإسلامية التي لا يمكن الفصل بينها ألبتة، فهي أشبه ما تكون بالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً، والفائدة الشرعية لكل حكم شرعي إنما تتجلى على وجه الخصوص عند التطبيق الشامل للإسلام مع الإيمان الكامل به وبمن شرعه وبمن جاء به (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة:208] .
والله أعلم.