الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الأثر رواه كما ـ نقل السائل ـ أحمد في الزهد، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية، بالإسناد المذكور. وأورده الحافظ ابن حجر في (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) بإسناد الإمام أحمد في الزهد. وإسناده ضعيف لانقطاعه بين سفيان ـ وهو الثوري ـ وطاووس ، ولذلك قال فيه سفيان : قال طاووس دون عنعنة ولا تصريح بسماع، وقد قال محقق هذا الجزء من (المطالب العالية) الدكتور باسم عناية: الإسناد رجاله كلهم ثقات إلا أنه منقطع بين سفيان وطاووس ، فهو ضعيف. (5/330/834). وهذا التحقيق قد أُنجز في عدة رسائل علمية قدمت لجامعة الإمام محمد بن سعود.
وهو مع انقطاعه مرسل، ولا تقوم به حجة عند الجمهور، وراجع الفتوى رقم: 104454.
وأما من ناحية فقه الأثر، فقد أورده الحافظ ابن حجر في باب (صنعة الطعام لأهل الميت) (5/328) فجعل الطعام لأهل الميت لا منهم، وهو على هذا الوجه مشروع كما في حديث عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر قال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا لأهل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم ما يشغلهم. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وقد كان بعض أهل العلم يستحب أن يوجه إلى أهل الميت شيئا لشغلهم بالمصيبة، وهو قول الشافعي. اهـ. وأبو داود وابن ماجه، وحسنه الألباني. وراجع في ذلك الفتويين: 4271، 5010.
وظاهر هذا الأثر هو استحباب القيام بإطعام الطعام كصدقة وعمل من أعمال البر عن الميت، وهذا لا يقتضي الاجتماع عند أهل الميت، بل يصنعون ذلك أو يشترونه ويتصدقون به عن ميتهم لنفعه بالثواب، فهذا من أعظم الأعمال ثوابا، بل هو من خير خصال الإسلام وشرائعه، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ".
وقد سبق لنا التنبيه على أنه لا بأس بصنع الطعام والتصدق به عن المتوفى، ولكن بدون اجتماع، فراجع الفتويين: 52181، 52481.
هذا وللمعرفة فإن للجلال السيوطي رسالة خاصة بهذا الموضوع وهي رسالة: طلوع الثريا بإظهار ما كان خفيا. ضمن (الحاوي للفتاوي 2/216: 236) انتصر فيها للقول بأن الميت يفتن في قبره سبعة أيام ، استدلالا بهذا الأثر عن طاووس، وآثار أخرى عن غيره. ولخص ذلك ابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الفقهية الكبرى 2/30،31) والسفاريني في (لوامع الأنوار البهية 2/9).
وقال أبو الحسن المالكي في (كفاية الطالب الرباني): الأخبار تدل على أن الفتنة مرة واحدة، وعن بعضهم أن المؤمن يفتن سبعا والمنافق أربعين صباحا. اهـ.
وقال النفراوي في الفواكه الدواني: قال المشذالي وابن ناجي: الأخبار تدل على أن الفتنة وهي السؤال مرة، وفي حديث أسماء أنه يسأل ثلاثا، وفصل الجلال بين المؤمن فيسأل سبعة أيام والكافر أربعين صباحا. اهـ.
وقال الحافظ ابن عبد البر في (التمهيد): الآثار المرفوعة كلها في هذا المعنى تدل على أن الفتنة ـ والله أعلم ـ مرة واحدة ، وكان عبيد بن عمير فيما ذكر ابن جريج عن الحارث بن أبي الحارث عنه ، يقول : يفتن رجلان مؤمن ومنافق، فأما المؤمن فيفتن سبعا، وأما المنافق فيفتن أربعين صباحا. اهـ.
وهكذا ذكر السيوطي ومن تبعه أثر عبيد بن عمير كما ذكره الحافظ ابن عبد البر ، وهو في المطبوع من (مصنف عبد الرزاق 3/590/6757) هكذا : عن ابن جريج قال : قال عبد الله بن عمر : إنما يفتتن رجلان مؤمن ومنافق، أما المؤمن فيفتن سبعا، وأما المنافق فيفتن أربعين صباحا، وأما الكافر فلا يسأل عن محمد ولا يعرفه. قال ابن جريج: وأنا أقول: قد قيل في ذلك، فما رأينا مثل إنسان أغفل هالكه سبعا أن يتصدق عنه. اهـ.
والظن ـ والله أعلم ـ أن " عبد الله بن عمر " قد تصحفت من " عبيد بن عمير " وعلى أية حال فذكر الطعام فيه ليس من الرواية، وإنما هو من كلام ابن جريج.
والله أعلم.