الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فاعلم أولا ـ غفر الله لك ـ أن صعوبة بعض التكاليف لا يسوغ الفتيا بإسقاطها، بل من حكمة الشارع أن تكون بعض التكاليف شاقة ليميز الله بذلك الخبيث من الطيب، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فمن كان له عذر يبيح الفطر فله أن يترخص بالفطر، وأما من لا عذر له فعليه أن يوطن نفسه على تنفيذ حكم الله واتباع شرعه، وإن كان في ذلك شيء من المشقة والتعب، وليعلم أن الأجر على قدر المشقة والنصب، والله تعالى لا يضيع أجر المحسنين.
واعلم كذلك أن الجرأة في الفتوى لا تحمد، وإنما يحمد فيها التثبت والتبصر واتباع البينات والحكم بما حكمت به أدلة الشرع، فلا يرخص المفتي لموافقة بعض الأهواء دون أن يقوم دليل الترخيص، ولا يشدد حيث كان للرخصة مساغ، والموفق من وفقه الله.
واعلم كذلك أن حديث الدجال يخالف ما ترمي إليه ولا يوافقه؛ لأن اليوم الذي كسنة طالت مدته عن أربع وعشرين ساعة، فلم يكن بد من أن يقدر للصلاة قدرها، وأما اليوم الذي مدته أربع وعشرون ساعة، وفيه ليل ونهار متمايزان فليس من هذا الباب، ونحن قد أسلفنا القول وذكرنا كلام أهل العلم في حكم الصلاة والصيام في البلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها، أو العكس، وأن الواجب عليهم هو العمل بالأوقات التي نصبها الشرع للصيام، وإن طالت مدة الصوم، وليس في ذلك حرج على المكلفين بحمد الله، إذ إن من له عذر في الفطر فالفطر سائغ له، ولا يؤمر أن يصوم إن أدى به ذلك إلى الهلاك، وكذلك الصلاة فإن الواجب أداء كل صلاة في وقتها ما دام ذلك ممكنا، ولوطالت مدة ما بين بعض الصلوات، ومن العلماء من يقول بخلاف هذا، ولكن هذا هو المرجح والمفتى به عندنا، وانظر تفصيل ما ذكرناه في الفتويين رقم: 130383، ورقم: 130579، فانظرهما لزاما ففيهما بيان مسألتك على وجه التفصيل وإزالة الإشكال والشبهة فيها بإذن الله.
والله أعلم.