الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاننا نصحك بإحسان الظن بحماتك، واعتبار تدخلها مناصحة لكم، وسعيا في مصالحكم، فالأم مفطورة في الغالب على حب ولدها وحب عياله، فعليك بمواصلة الصبر على تصرف أم زوجك ودفع سيئتها بالحسنة والعفو والصفح الجميل إن حصلت منها إساءة إليك.
واعلمي أن التعارض في الرغبات والتخالف في الحاجات سمة من سمات البشر، ويكثر حصول التعارض بين الزوجة وأم الزوج، فالزوجة العاقلة تدرك هذا الأمر وتتقبله بصدر رحب، وتعلم أن على زوجها حقين، حق والدته وهو المقدم، وحقها، ولا يمكنه أن يجمع بين رغبات متعارضة وحاجات متناقضة، فتكون عونا لزوجها على القيام بالواجبين، وأداء الحقين، وإذا رأت أن رغبتها تعارض رغبة الأم، والرغبتان من المباح، فتعدل عن رغبتها، وذلك لأن رغبة الأم وطاعتها مقدمة، وينبغي لها أن لا تتبرم أو تتذمر من طاعة الزوج لأمه، نعم إن كانت هذه الطاعة على حساب حق واجب لها فلتنصحه ولتبين له أن الطاعة في المعروف، ولتصبر على ما نقص من حقها احتساباً للأجر منه سبحانه، ولتحاول أن تصلح علاقتها بوالدة زوجها بحيث تتفق رغباتهما ولا يجعلان الزوج بين طرفي نقيض.
ولا شك أن الزوج إذا رأى من زوجته هذه الروح وهذا الخلق سيعمل جاهداً على إرضائها، وسيزيد حبها في قلبه، وربما كسبت حب الوالدة أيضاً، وحينها ستكون رغبتها مقدمة وحاجتها ملباة.
ومما يعين الزوجة على الاتسام بهذه الصفة، جعل أم الزوج بمثابة الأم، تبرها وتحاول أن تكسب رضاها، وتتعاون مع الزوج على طاعتها وتلبية طلبها في غير معصية، فهي على الأقل جار لك، وربما تكون كبيرة في السن، والشرع قد حض على الإحسان الى الجيران وتوقير الكبار .
كما حض على العفو عن الناس ومبادلة إساءتهم بالاحسان، وجعل ذلك من أقوى أسباب جلب المودة بينهم وكسب معية الله كما قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34].
وفي الحديث: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المَل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم .
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه سلم قال: ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، ما نقص مال من صدقة، وما ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله تعالى عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر. أخرجه الترمذي.
أما الزوج فننصحه ببر والدته، وأداء حق زوجته، وأن لا يحمله البر لوالدته على التقصير في حق زوجته، بل يعطي كلا منهما حقها، وأن لا يتجاهل حق زوجته ولا يعاملها إلا بالمعروف والإحسان، فالله تعالى أوجب على الأبناء البر بالوالدين والإحسان إليهما، ويتأكد ذلك في حق الأم، قال الله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [البقرة:83]، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً [الأحقاف:15].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضا الله من رضا الوالد، وسخط الله من سخط الوالد. رواه الترمذي وابن حبان وحسنه الألباني. وقال: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات. رواه البخاري. وقال: الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين. رواه البخاري.
وإذا كان من أسباب ما ذكر وجودك مع أمه في سكن واحد، فلك مطالبته بسكن منفصل مستقل ، تشعرين باستقلاليتك فيه، فمن حق الزوجة على زوجها أن يوفر لها مسكناً مستقلاً مكتمل المرافق، تأمن فيه على أسرارها وخصوصياتها، فعلى زوجك وأهله أن يحترموا هذه الخصوصية لك، لأن الشرع الحكيم لما جعل من حقوق المرأة على زوجها أن يسكنها في سكن مستقل عن أهله كان من الحكمة في ذلك أن الزوجة ترتاح فيه وتستر فيه من أمورها ما لا تحب أن يطلع عليه أقارب زوجها أو غيرهم.
وراجعي الفتوى رقم: 5034والفتوى رقم: 9517، والفتوى رقم: 34173
والله أعلم.