الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا إشكال في وقوع الطلقتين الأولى والثانية اللتين تلفظ فيهما الزوج بالطلاق الصريح، إن كان مدركا لما يقول مالكا أمر نفسه، وإذا كان في حالة فقد وعي، بحيث لا يدري ما يقول، أو يدري ما يقول ولكنه يجد نفسه مجبرا على التلفظ بلفظ الطلاق بسبب سحر أثر على عقله تأثيرا يجعله غير قادر على التحكم فيما يصدر عنه من ألفاظ فإنه لا يقع منه طلاق في الكل، لأنه إما مثل المكره، وإما مثل المجنون والمعتوه والمغمى عليه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن.
وأما الطلقة الثالثة التي تمت بطريق الكتابة، فهي واقعة إن كان نوى الطلاق وكان مدركا لما يقول مالكا أمر نفسه، وإذا لم ينو الزوج بهذه الكتابة الطلاق، فلا يقع حينئذ، قال في المدونة: وسمعت مالكا وسئل عن رجل يكتب إلى امرأة بطلاقها فيبدو له فيحبس الكتاب بعد ما كتب، قال مالك: إن كان كتب حين كتب يستشير وينظر ويختار فذلك له والطلاق ساقط عنه، ولو كان كتب مجمعاً على الطلاق فقد لزمه الحنث وإن لم يبعث بالكتاب. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: وإن كتب إلى امرأته: أما بعد, فأنت طالق ـ طلقت في الحال, سواء وصل إليها الكتاب, أو لم يصل، وعدتها من حين كتبه. انتهى.
قال في المغني أيضا: إذا كتب الطلاق فإن نواه طلقت زوجته، وبهذا قال الشافعي والنخعي والزهري والحكم وأبو حنيفة ومالك. انتهى.
وقال الخرشي في شرحه لمختصر خليل المالكي: يعني أن الزوج إذا كتب إلى زوجته، أو إلى غيرها أنه طلقها وهو عازم على ذلك، فإن الطلاق يقع عليه بمجرد فراغه من الكتابة وينزل كتبه للفظ الطلاق منزلة مواجهتها به، وسواء كان في الكتابة: إذا جاءك كتابي فأنت طالق، أو أنت طالق، وسواء أخرجه ووصل إليها، أو لم يخرجه. انتهى.
وننصحكم بمراجعة المحاكم الشرعية للنظر في ملابسات الموضوع.
والله أعلم.