الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإنكار بالقلب وحده لا يكفي إلا عند العجز عن الإنكار باللسان في حق الأخت السائلة، كما هو ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين النصيحة، وكان يبايع أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ على ذلك، كما قال جرير البجلي: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم. متفق عليه.
ولا شك أن من النصح المطلوب أن تنصح السائلة المتبرجات من زميلاتها في الدراسة بالحجاب، وتكرر عليهم ذلك حتى ولو كثرت القنوات والمواقع والكتب الدينية، من باب الذكرى، فقد قال الله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ {الذاريات: 55}.
قال السعدي: التذكير نوعان:
تذكير بما لم يعرف تفصيله مما عرف مجمله بالفطر والعقول، فإن الله فطر العقول على محبة الخير وإيثاره وكراهة الشر والزهد فيه، وشرعه موافق لذلك، فكل أمر ونهي من الشرع فإنه من التذكير، وتمام التذكير أن يذكر ما في المأمور به من الخير والحسن والمصالح، وما في المنهي عنه، من المضار.
والنوع الثاني من التذكير: تذكير بما هو معلوم للمؤمنين، ولكن انسحبت عليه الغفلة والذهول، فيذكرون بذلك ويكرر عليهم ليرسخ في أذهانهم، وينتبهوا ويعملوا بما تذكروه من ذلك، وليحدث لهم نشاطًا وهمة توجب لهم الانتفاع والارتفاع. اهـ.
وأما الحديث المذكور: فقد سبق لنا بيان درجته وفقهه في الفتوى رقم: 151831، وفيها تجد السائلة الإجابة على سؤالها.
وهل إذا استمررن على معاصيهن يكون فرض عليها أن لا تقعد معهن ولا تأكل معهن؟ فإنه لا حرج عليها في مجالستهن ومعاملتهن ما دامت تقوم بواجب النصيحة دائما، ولا تتأثر هي بما هن عليه من المعاصي، ويتأكد هذا إن كانت صحبتها لهن تقلل من معاصيهن، أو تقربهن إلى الاستقامة، بخلاف ما إذا كانت هي التي تتأثر بهن، أو تخلو صحبتها لهن من النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكأنها تقر الخطأ وترضى به. وبالجملة فمسألة هجر العصاة من المسائل التي تختلف بحسب اختلاف الأحوال، وبحسب اجتهاد المرء في تحقيق المصلحة لنفسه وللعصاة، كما سبق بيانه في الفتوى المشار إليها سابقا. وراجعي لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 151385 ورقم: 151965.
والله أعلم.