الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: بمواقع النجوم ـ جاء في التفسير الوسيط للطنطاوي مايلي: والمواقع: جمع موقع، وموقع الشيء ما يوجد فيه، وما يسقط من مكان مرتفع، فالمراد بمواقع النجوم: مساقطها التى تسقط فيها عند غروبها، وقيل: مواضعها من بروجها في السماء ومنازلها منها، وقيل: المراد مواقعها يوم القيامة عندما تنتشر وتتفرق، وأقسم سبحانه بذلك، للتنويه بشأنها ولما فيها من الدلالة على أن لهذا الكون خالقا قادرا حكيما يسير كواكبه بدقة ونظام بديع، لا اختلال معه ولا اضطراب، إذ كل نجم من هذه النجوم المتناثرة في الفضاء له مجاله الذى يغيب فيه، وله مكانه الذي لا يصطدم فيه بغيره.
قال بعض العلماء: إن هذه النجوم والكواكب، التي تزيد على عدة بلايين نجم، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة، وما يمكن أن تحس به الأجهزة، دون أن تراه كلها تسبح فى الفلك الغامض ولا يوجد أى احتمال أن يقترب مجال مغناطيسى لنجم، من مجال نجم آخر، أو يصطدم بكوكب آخر.
ومن العلماء من يرى أن المراد بمواقع النجوم أوقات نزول القرآن نجما نجما، وطائفة من الآيات تلى طائفة أخرى، قال ابن كثير: واختلفوا في معنى قوله: بمواقع النجوم ـ فعن ابن عباس أنه يعني نجوم القرآن فإنه نزل جملة ليلة القدر، من السماء العليا إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقا بعد ذلك، وعن قتادة: مواقع النجوم ـ منازلها، وقال مجاهد: مطالعها ومشارقها، وعن الحسن: انتشارها يوم القيامة.
ويبدو لنا أن تفسير النجوم هنا، بنجوم السماء هو الأرجح، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة.
وعلى كل، فالقسم المذكور عظيم حقا فإنه إن أريد به نزول القرآن فعظمته واضحة، وإذا أريد النجوم المعروفة فهي عظيمة لما فيها من مظاهر عظمة الله الدالة على قدرته، ففي تفسير البيضاوي: إن الله تعالى عظم هذا القسم لما في المقسم له من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة.
وقال السعدي: أقسم تعالى بالنجوم ومواقعها أي: مساقطها في مغاربها، وما يحدث الله في تلك الأوقات، من الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده، ثم عظم هذا المقسم به، فقال: وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ـ وإنما كان القسم عظيما، لأن في النجوم وجريانها، وسقوطها عند مغاربها، آيات وعبرا لا يمكن حصرها. اهـ.
وقال ابن كثير: وقوله: وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ـ أي: وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به عليه، إنه لقرآن كريم أي: إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم في كتاب مكنون أي: معظم في كتاب معظم محفوظ موقر. اهـ.
وقال الألوسي: بمواقع النجوم ـ أي بمساقط كواكب السماء ومغاربها كما جاء في رواية عن قتادة، والحسن على أن الوقوع بمعنى السقوط والغروب وتخصيصها بالقسم لما في غروبها من زوال أثرها، والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير، ولذا استدل الخليل عليه السلام بالأفول على وجود الصانع جل وعلا، أو لأن ذلك وقت قيام المهتدين والمبتهلين إليه تعالى وأوان نزول الرحمة والرضوان عليهم، وقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا: ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له ـ وعن الحسن أيضا المراد مواقعها عند الانكدار يوم القيامة، وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة أنها منازلها ومجاريها على أن الوقوع النزول، والتخصيص لأن له تعالى في ذلك من الدليل على عظيم قدرته وكمال حكمته ما لا يحيط به نطاق البيان، وقال جماعة منهم ابن عباس: النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها، وأخرج النسائي وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه أن قال: أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين، وفي لفظ ثم نزل من السماء الدنيا إلى الأرض نجوما ثم قرأ: فلا أقسم بمواقع النجوم ـ وأيد هذا القول بأن الضمير في قوله تعالى بعد: إنه لقرءان ـ يعود حينئذ على ما يفهم من مواقع النجوم حتى يكاد يعد كالمذكور صريحا ولا يحتاج إلى أن يقال يفسره السياق كما في سائر الأقوال، ووجه كون ذلك القسم عظيما قد أشير إليه فيما مر، أو هو ظاهر بناء على أن المراد بمواقع النجوم الواقعة: 75 ـ ما روي عن ابن عباس والجماعة. اهـ.
والله أعلم.