الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا قد بينا مذاهب العلماء مفصلة في حكم الصفرة والكدرة في الفتوى رقم: 117502، فأغنى ذلك عن إعادة ما ذكرناه فيها.
ومذهب جمهور العلماء أن المرأة إذا رأت الصفرة والكدرة في أيام عادتها فإنها تعدها حيضا سواء سبق رؤيتها دم أو لا، وسواء اتصلت بالحيض، أو لا، وسواء رأت الطهر قبلها بالجفوف، أو بالقصة البيضاء ما دامت رؤيتها لها في مدة العادة، قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ مبينا أحوال الصفرة والكدرة: الصفرة والكدرة لها ثلاثة أحوال، حال: تكون في مدة عادة المعتادة، فتكون حيضاً عند جمهور العلماء، سواء سبقها دم أم لا وحال: تكون بعد انقضاء العادة، فإن اتصلت بالعادة ولم يفصل بينهما طهر، وكانت في مدة أيام الحيض ـ أعني: الأيام التي يحكم بأنها حيض ـ وهي: الخمسة عشر، فهل تكون حيضاً بمجرد اتصالها بالعادة، أم لا تكون حيضاً حتى تتكرر ثلاثاً، أو مرتين، أم لا تكون حيضاً وإن تكررت؟ فيهِ ثلاثة أقوال للعلماء: الأول: ظاهر مذهب مالك والشافعي، والثاني: رواية عَن أحمد، والثالث: قول أبي حنيفة والثوري، وأحمد في رواية، وإن انقطع الدم عند تمام العادة، ثُمَّ رأت بعده صفرة، أو كدرة في مدة الحيض ـ أي في مدة الخمسة عشر يوما ـ فالصحيح عند أصحابنا ـ أي الحنابلة ـ أنَّهُ لا يكون حيضاً، وإن تكرر، وقد قالَ أكثر السلف: إنها إذا رأت صفرة، أو كدرة بعد الغسل، أو بعد الطهر فإنها تصلي، وممن روي ذَلِكَ عَنهُ: عائشة، وسعيد بنِ المسيب، وعطاء، والحسن وإبراهيم النخعي، ومحمد ابن الحنيفة وغيرهم، وحديث أم عطية يدل على ذَلِكَ، وحال ترى الصفرة والكدرة بعد أكثر الحيض، فهذا لا إشكال في أنَّهُ ليسَ بحيض. انتهى.
وإنما نقلناه بطوله لتتم الفائدة ويزول الإشكال عن حكم الصفرة والكدرة في جميع أحوالها، وبه تعلمين أن رؤيتك للصفرة في مدة العادة تعد حيضا، وأنه يجب عليك أن تغتسلي بعد انقطاع تلك الصفرة كما هو مذهب الجمهور، ومن العلماء من يرى أن ذلك لا يعد حيضا كما يفهم من كلام الحافظ ابن رجب، ولكن قول الجمهور أحوط وأبرأ للذمة، والفتوى رقم: 106660، لا تعارض ما ذكرناه في غيرها، لأننا قلنا فيها ما نصه: إذا كان السائل الذي تجدينه هو القصة فلا عبرة بالصفرة ولا تعتبر من الحيض بعد رؤية القصة البيضاء عند انتهاء الحيض المعتاد ـ وهذا يفيد أنه لا عبرة بالصفرة والكدرة بعد انقضاء مدة العادة ورؤية الطهر كما هو مذهب الحنابلة وهو الذي نفتي به.
والله أعلم.