الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للتاجر السمح، فقال: رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى. رواه البخاري في صحيحه.
واستغلال حاجة الناس عند قلة السلع وانقراضها من السوق ينافي السماحة، واحتكار السلع الضرورية للناس بقصد رفع أسعارها واستغلال حاجة الناس إليها محرم، جاء في أسنى المطالب: فيحرم الاحتكار وهو إمساك ما اشتراه في وقت الغلاء لا في وقت الرخص ليبيعه بأكثر مما اشتراه به عند اشتداد الحاجة بخلاف إمساك ما اشتراه وقت الرخص لا يحرم مطلقا. اهـ.
وابن حجرالهيتمي عد الاحتكار من الكبائر في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر، والحكمة من تحريم الاحتكار الحيلولة دون إلحاق الضرر بالناس في حاجياتهم الأساسية، والوقود في هذا الزمن من الحاجيات الأساسية للناس في معاشهم وقيام أمورهم، وأما من لا يحتكر تلك المادة أوغيرها مما فيه حاجة وتقوم به ضرورياتهم، وإنما يشتري ويبيع فحسب فلا يحرم عليه أن يربح في تجارته ولو كان سعر البيع بثمن أعلى بكثير من ثمن الشراء، إذ لم يرد في الشرع تحديد للربح لا تجوز مجاوزته، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يكون جشعاً أنانياً لا يهمه في تجارته إلا الجانب المادي فقط، وإنما ينبغي أن يكون الجانب الخلقي والإنساني نصب عينيه وغاية مقصده، ولو سعرت الدولة تلك المادة أو نحوها بسبب حاجة الناس إليها وألزمت التجار بسعر محدد فيجب الالتزام بذلك على الراجح، قال ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي بعد ذكره حديث أنس: والتسعير على الناس إذا خيف على أهل السوق أن يفسدوا أموال المسلمين، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حق، وما فعله حكم، لكن على قوم صح ثباتهم واستسلموا إلى ربهم، وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس والتضييق عليهم فباب الله أوسع وحكمه أمضى. اهـ
ويقول ابن تيمية في كتابه الحسبة: فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل فيجب أن يلتزموا بما ألزمهم الله به. اهـ
وأما السمسرة بين البائع غير المحتكر والمشتري مقابل عمولة معلومة يدفعها أحد طرفي العقد أو كلاهما فلا حرج فيها، كما بينا في الفتوى رقم: 5172.
وأما المحتكر فهو آثم ولا تجوز السمسرة له ولا التعاون معه على إثمه، قال تعالى: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان{ المائدة:2}.
والله أعلم.