الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطلاق الإبراء إن كان المقصود به الطلاق مقابل عوض فهو خلع ويعتبر طلاقا بائنا، جاء في الموسوعة الفقهية: أما المبارأة: فهي مفاعلة وتقتضي المشاركة في البراءة، وهي في الاصطلاح اسم من أسماء الخلع والمعنى واحد وهو بذل المرأة العوض على طلاقها، لكنها تختص بإسقاط المرأة عن الزوج حقا لها عليه، فالمبارأة صورة خاصة للإبراء تقع بين الزوجين لإيقاع الزوج الطلاق ـ إجابة لطلب الزوجة غالبا ـ مقابل عوض مالي تبذله للزوج هو تركها ما لها عليه من حقوق مالية ـ كالمهر المؤجل أو النفقة المستحقة في العدة ـ والجمهور على أنه لا يسقط بها أي حق إلا بالتسمية خلافا لأبي حنيفة وأبي يوسف القائلين بسقوط جميع حقوقها الزوجية. انتهى.
وعليه، فإن كانت تلك المرأة قد خالعت زوجها فطلاقها بائن، ولا تحل لزوجها إلا بعقد جديد تتوفر معه جميع شروط صحة النكاح، وما قام به المأذون نكاح فاسد لأمرين:
1ـ حصوله بدون إذن ولي المرأة وهذا يجعله باطلا عند الجمهور.
2ـ عدم حضور شاهدين عند العقد في حالة ما إذا كان المأذون هو المتولي عقد النكاح، إذ لا يجزئ أن يكون العاقد أحد شاهدي النكاح، لأنها شهادة على فعل نفسه، جاء في حاشية الصاوي المالكي على الشرح الصغير: ولا تصح شهادة المتولي أيضا، لأنها شهادة على فعل النفس. انتهى.
وراجع الفتوى رقم: 127216.
والإشهاد على النكاح لا بد فيه من شاهدي عدل عند العقد على مذهب أكثر أهل العلم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 131956.
أما إذا كان المأذون لم يباشر عقد النكاح، وكان دوره في العقد هو مجرد تعريف كل طرف بما يقول فيصح أن يكون أحد شاهدي العقد وبالتالي فيكون هذا النكاح فاسدا ـ عند الجمهور ـ لسبب واحد وهو عدم حضور الولي، وسواء قلنا بقبول شهادة المأذون أو بعدم قبولها فإن هذا العقد يعتبر من النكاح المختلف في صحته، جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني الحنبلي: وإن لم يدخل بها في عقد المتعة وفيما حكمنا به أنه كمتعة كالتزويج بلا ولي ولا شهود وجب على الزوج أن يطلق, فإن لم يطلق, فسخ الحاكم النكاح, وفرق بينهما، لأنه نكاح مختلف فيه. انتهى.
ولايجوز لهذه المرأة المنكوحة نكاحا فاسدا أن تتزوج قبل أن يطلقها زوجها أو يُحكم بفسخ النكاح عند الحنابلة والمالكية، جاء في المغني لابن قدامة: إذا تزوجت المرأة تزويجاً فاسداً, لم يجز تزويجها لغير من تزوجها حتى يطلقها أو يفسخ نكاحها، وإذا امتنع من طلاقها, فسخ الحاكم نكاحه، نص عليه أحمد، وقال الشافعي: لا حاجة إلى فسخ ولا طلاق، لأنه نكاح غير منعقد أشبه النكاح في العدة، ولنا أنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد فاحتيج في التفريق فيه إلى إيقاع فرقة كالصحيح المختلف فيه, ولأن تزويجها من غير تفريق يفضي إلى تسليط زوجين عليها, كل واحد منهما يعتقد أن نكاحه الصحيح ونكاح الآخر الفاسد. انتهى.
وجاء في شرح الخرشي لمختصر خليل المالكي: يعني أن الفسخ في النكاح المختلف في صحته وفساده, ولو كان الخلاف خارج المذهب حيث كان قويا يكون طلاقا بمعنى أن الفسخ نفسه طلاق أي يحكم عليه بأنه طلاق أي يكون طلقة بائنة لا أنه يحتاج إلى إيقاع طلاق فقولهم فسخ بطلاق أي أن الفسخ متى وقع كان طلاقا لفظ الزوج أو الحاكم بالطلاق أو لم يلفظ. انتهى.
وعند الشافعية أن النكاح الفاسد غير منعقد أصلا فلا يحتاج لطلاق ولا فسخ. وبالتالي، فيجوز لهذه المرأة أن تتزوج من غير أن يطلقها صاحب النكاح الفاسد، جاء في المجموع للنووي: دليلنا أن العقد الفاسد غير منعقد فلا يحتاج في إزالته إلى فسخ كالبيع الفاسد. انتهى.
وليس لهذا الزوج حقوق على تلك المرأة لفساد العقد، وإن أراد تجديد العقد عليها فلا بد من توفر أركان النكاح الصحيح والتي سبق بيانها في الفتوى رقم: 7704. وينبغي رفع المسألة لمحكمة شرعية للنظر في تفاصيلها.
والله أعلم.