الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالديوبندية تنسب إلى جامعة ديوبند دار العلوم في الهند، فهي مدرسة فكرية عميقة الجذور، طبعت كلَّ خريج منها بطابعها العلمي الخاص، حتى أصبح ينسب إليها، وقد أسس جامعة ديوبند مجموعة من علماء الهند بعد أن قضى الإنجليز على الثورة الإسلامية في الهند عام 1857م، فكان تأسيسها ردً فعل قويٍّ، لوقف الزحف الغربي ومدنيته الماديَّة على شبه القارة الهندية لإِنقاذ المسلمين من مخاطر هذه الظروف، والطائفة الديوبندية قد انتسب إليها جماعة من العلماء الأفاضل الذين أثروا الحياة العلمية والدعوية مثل الشيخ الكشميري صاحب فيض الباري وشرح الترمذي، والشيخ أبي الحسن الندوي والشيخ حبيب الله الأعظمي وغيرهم، وهذه الطائفة تتبع في الفروع المذهب الحنفي وفي الأصول مذهب الماتريدية، وراجع لمزيد التفصيل حول هذه الطائفة موسوعة المذاهب والأديان المعاصرة، وإذا عرفت هذا وتبين لك أن الطائفة الديوبندية ماتريدية في باب الأصول، فاعلم أن الماتريدية وإن لم يثبتوا استواء الرب تعالى على عرشه على نحو ما يثبته أهل السنة وأصحاب الحديث إلا أنهم لا يقولون إن الله تعالى في كل مكان تعالى الله وتقدس عن ذلك علوا كبيرا، بل هذه عقيدة أهل الحلول، وهي عقيدة كفرية منكرة نسأل الله العافية، وأما الموقف من الماتريدية ومن يعتقد عقيدتهم فهو ضرورة مناصحتهم فيما أخطأوا فيه وخالفوا السنة، فإن استجابوا فالحمد لله، وإلا فيكون مناصحهم قد أعذر إلى الله تعالى وفعل ما يجب عليه وأبرأ ذمته، فعليك بمناصحة أخيك وأن تبين له أن الحق أحق ما اتبع ولا تمل من ذكر الأدلة والبراهين وبيان كلام أهل العلم من السلف والأئمة على خطأ بعض ما يعتقده، وهذا هو ما تقدر عليه، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها، مع التنبيه على أن الماتريدية كالأشاعرة من أقرب مذاهب المتكلمين إلى مذهب أهل السنة والحديث، وأنهم وإن أخطأوا في مسائل لكن لهم من الأثر في خدمة الدين ونصرة الحق ما يرجى أن يكون موجبا لهم مغفرة الله تعالى ورحمته، والفضائل إذا كانت كثيرة فإنها تغمر المساوئ اليسيرة، فإنه إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، وانظر الفتوى رقم: 150727، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.