الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن الجواب عن سؤالك من خلال النقاط التالية:
1ـ تسجيل الأب للقطع الأرضية باسم ابنه على أن لا يتصرف فيها إلا بعد موته، وحفظه له ذلك بتسجيلها لدى الدوائر الرسمية باسمه فهذا لا اعتبار له، لأنه وصية لوارث، ولايسقط حق أخته أوغيرها من الورثة في تلك القطع الأرضية، لأن الوصية للوارث لا تمضي إلا أن يجيزها الورثة، إذ الحق حقهم وليس للابن ـ خالك ـ الاستحواذ على الأراضي إن كان الأمر مجرد وصية من الأب له بها، ولم تذكر رضى باقي الورثة بذلك التصرف وإمضائه.
2ـ إن كان ما فعله الجد من تسجيله الأراضي لابنه هو على سبيل الهبة النافذة بأن ملك الابن الأراضي في حياة أبيه وتصرف فيها تصرف المالك في ملكه وخلى بينه وبينها، فهي هبة ظالمة. وهل تمضي بموت الواهب قبل العدول عنها والعدل فيها؟ خلاف عند أهل العلم، والجد آثم بذلك التصرف، إذ لا يجوز تخصيص أحد الأبناء بعطية دون الباقين، لقوله صلى الله عليه وسلم: سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحداً لفضلت النساء. أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وحكم الحافظ في الفتح بأن إسناده حسن. وفي الصحيحين واللفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك، فقال له: يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تشهدني إذا، فإني لا أشهد على جور. وفي رواية لهما قال له أيضا: فأرجعه. وفي رواية لمسلم: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرد أبي تلك الصدقة. وفي رواية عند أحمد: إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم.
فدل ذلك على وجوب العدل بين الأبناء في العطية، وحرمة تفضيل بعضهم على بعض على الراجح، لكن إذا مات الأب قبل الرجوع والعدل فيها فإنها تمضي بموته قبل التعديل في قول أكثر أهل العلم، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى ممزوجا بغاية المنتهى: فإن مات معط قبله ـ أي التعديل ـ وليست العطية بمرض موته المخوف ثبتت العطية للآخذ فلا يملك بقية الورثة الرجوع، نص عليه في رواية محمد بن الحكم والميموني، لخبر الصديق وتقدم، وكما لو كان الآخذ أجنبيا، لأنها عطية لذي رحم، فلزمت بالموت كما لو انفرد.
قال ابن قدامة في المغني: إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ولزم وليس لبقية الورثة الرجوع، هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وهو الذي ذكره الخرقي.
وينبغي للأخ رفع الظلم عن أخته وإعطاؤها ما منعها منه والدها، وفي ذلك بر بالجد بعد موته، وأما القطعة الباقية باسم الجد وسائر ما ترك من ماله فلأمك أن تأخذ حقها فيه ولها نصف ما لأخيها، لكن إن كان الجد ترك ورثة غيرهم كزوجته ونحوها فلهم حقوقهم أيضا في تلك الأرض وغيرها من تركة الجد، وحيث إن زوجة الجد قد ماتت فيضم نصيبها في تركة زوجها إلى تركتها ويقسم على ورثتها.
3ـ أخذ الجد وابنه لبعض مهر خالتك ودفعه مهرا لزوجة أخيها من الظلم المحرم إن لم يكن عن رضى منها وطيب نفس، إذ ليس للأب أن يأخذ من مال ابنه ليعطي ابنه الآخر.
4ـ مجرد كتابة الأراضي وغيرها باسم الأخ لا يعفيه من الإثم، وهو يعلم أن فيها حقا لغيره، بل يلزمه أن يعطي كل ذي حق حقه ويوزع التركة على مستحقيها، ومجرد تسجيل الممتلكات باسمه صوريا لا يعطيه ملكيتها ولا يغير من حقيقتها شيئا، ولا يجوز التعاون مع الظالم على ظلمه، بل يجب رد الحق إلى مستحقه ورفع الظلم عمن وقع عليه ولا سيما بين ذوي الرحم، وأما ما وهب له والده في حياته ومات الواهب قبل الرجوع عنه فهو له ولا يلزمه العدل فيه مع إخوته كما تقدم في مذهب الجمهور، وإن كان ذلك هو الأولى، لما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: يجب عليه أن يرد ذلك في حياته كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن مات ولم يرده رد بعد موته على أصح القولين أيضا طاعة لله ولرسوله، ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. اهـ.
5ـ لا بد من عرض هذه المسائل على القضاء للفصل فيها حيث تقادم العهد على التركات، وفيها خصومة ونزاع، ولا يمكن الاكتفاء فيها بمجرد السؤال عن بعد.
والله أعلم.