الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج كروب المسلمين ويسهل أمورهم ويصلح أحوالهم ويهديهم ويعينهم على البر والتقوى. ونفيدك أن بر الوالدين من أوجب الطاعات وأعظم القربات، وقد صرحت بذلك نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا {الأحقاف:15}.
ويكفيه فضلا أن الله عز وجل قرن حق الوالدين بحقه تعالى في عدة آيات، فمن ذلك قوله: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً. {النساء: من الآية36}. وقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}.
وإذا كان الوالد يمنعك من الاشتغال بالكلام في السياسة شفقة فعليك بره في الظاهر ومداراته مستصحبا أن على المسلم عون إخوانه المظلومين بما تيسر، ومن الضروري في مثل الحال الراهنة أن تكثر الدعاء لهم في أوقات الإجابة كآخر الليل وساعة الجمعة، وبين الأذان والإقامة، وعند الإفطار والانتهاء من صلاة الفرض، ففي الحديث: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل به كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل. رواه مسلم.
ويتعين الإكثار من الدعاء وعدم الملل منه، لما في الحديث: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري ومسلم.
ثم إن الحكم في مثل حالتك الشخصية يصعب علينا الجزم بشيء فيه، لأن الأمر يختلف باختلاف تعين الدخول في هذه الأمور وكفائيته، فالوالد لا يستأذن فيما كان متعينا، لأن طاعة الوالدين إذا تعارضت مع طاعة الله، فإن طاعة الله أولى وأحق، روى أحمد وصححه السيوطي والهيثمي والألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد بوب البخاري على وجوب صلاة الجماعة ثم قال: وقال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة لم يطعها.
ويجب استئذانه فيما كان كفائيا، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن في الجهاد، فقال له: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد. متفق عليه.
وهذا محمول على الجهاد الكفائي والجزم بتعين هذا أو كفائيته يحتاج لاجتهاد في المسألة ولا يمكننا الجزم بشيء فيه.
والله أعلم.