الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من ترتيب الصفوف حيث يقدم الرجال ثم الصبيان ثم النساء، هو أمر مستحب، ومخالفته مكروهة لكنها لا تبطل الصلاة، جاء في الكافي لابن قدامة: فإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء، لما روى أبو مالك الأشعري أنه قال: ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أقام الصلاة فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان ثم صلى بهم ثم قال: هكذا قال عبد الأعلى لا أحسبه إلا قال صلاة أمتي ـ رواه أبو داود. انتهى.
وفي الشرح الممتع لابن عثيمين قوله: ويليه الرجال ثم الصبيان ثم النساء، يليه أي: يلي الإِمامَ في الصَّفِّ إذا اجتمعَ رجالٌ ونساءٌ صغارٌ أو كبارٌ الرجال وهم: البالغون، لأن وَصْفَ الرَّجُلِ إنما يكون للبالغ، فإذا أرادوا أن يصفُّوا تقدَّمَ الرِّجالُ البالغون ثم الصبيانُ، ثم النساءُ في الخلفِ، والدَّليلُ قول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: ليلني منكم أولو الأحلامِ والنُّهى ـ وهذا أمْرٌ وأقلُّ أحوالِ الأَمْرِ الاستحبابُ. انتهى.
وقال النووي في المجموع: وإن حضر رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء لما ذكره المصنف. انتهى.
وقال أيضا: قال أصحابنا هذا كله مستحب ومخالفته مكروهة ولا تبطل الصلاة. انتهى.
وبخصوص ما يقوم به بعض الرجال من سحب صبي من الصف وتأخيره وأخذ مكانه فهو فعل غير مشروع، ويترتب عليه بعض المفاسد مثل تنفير الصبيان من المساجد وحقدهم على من يفعل بهم ذلك، وفيه ظلم لهم، قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: وهذا الذي ذكرنا في تقديم الرِّجالِ، ثم الصبيان، ثم النساء، إنَّما هو في ابتداءِ الأمرِ، أما إذا سَبَقَ المفضولُ إلى المكان الفاضلِ بأنْ جاءَ الصَّبيُّ مبكِّراً وتقدَّمَ وصار في الصَّفِّ الأولِ فإن القولَ الرَّاجحَ الذي اختاره بعضُ أهلِ العِلم ـ ومنهم جَدُّ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تيمية، وهو مَجْدُ الدِّين عبد السلام ـ أنه لا يُقامُ المفضولُ مِن مكانِه، وذلك لقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: مَن سَبَقَ إلى ما لم يَسبقْهُ إليه مسلمٌ فهو له ـ وهذا العمومُ يشمَلُ كلَّ شيءٍ اجتمع استحقاقُ النَّاسِ فيه، فإنَّ مَن سَبَقَ إليه يكون أحقَّ به، ولأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِن مجلِسِه ثم يَجلسُ فيه ـ ولأنَّ هذا عدوان عليه ـ إلى أن قال: ولأنَّ فيه مفسدةَ تنفيرِ هؤلاء الصبيان بالنسبة للمسجد، لا سيَّما إذا كانوا مراهقين، أي: إذا كان للواحد منهم ثلاث عشرة سَنَةً، أو أربع عشرة سنة، ثم نقيمه مِن مكانه، فسيكون هذا صعباً عليه، لأنه قد فرح أن كان في الصَّفِّ الأولِ، وكذلك مِن مفاسده أنَّ هذا الصَّبيَّ إذا أخرجه شخصٌ بعينه فإنه لا يزال يَذكرُه بسوءٍ، وكلَّما تذكَّره بسوءٍ حَقَدَ عليه، لأنَّ الصَّغيرَ عادةً لا يَنسى ما فُعِلَ به. انتهى.
والله أعلم.