الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكرت من استيلاء أهلك على مالك وإعطائه لإخوتك وتسببهم في طلاق زوجتك ونحو ذلك فهم مسيئون ظالمون لك، فليس من حق الوالدين أن يأخذا من مال ولدهما ما يجحف به أو يأخذا منه ليعطيا ولدا آخر، وانظر الفتوى رقم: 46692.
لكن مهما كان من سوء خلق الوالدين وظلمهما لأولادهما، فإن ذلك لا يسقط حقهما في البر، ولا يجوز لك مقاطعتهما أو الإساءة إليهما، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك، وانظر الفتوى رقم: 3459.
وعلى ذلك، فإن هجرك لوالديك معصية كبيرة وإثم مبين، وكلما طال الهجر كان الإثم أشد، فعن أبي خراش السلمي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه. رواه البخاري في الأدب المفرد.
فإذا كان ذلك مع عموم المسلمين فكيف بهجر الوالدين والإخوة من النسب؟ فاتق الله وبادر بالتوبة إلى الله، وارجع لوالديك فورا قبل فوات الأوان، واعتذر لهما عما سبق من الجفاء، واسع في إرضائهما ابتغاء مرضاة الله، وصل إخوتك بالقدر الذي لا يعود عليك بضرر في دينك أو دنياك، ولا تقطعهم وإن قطعوك، فعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. صحيح البخاري.
وانظر الفتوى رقم: 77480.
واعلم أنّ العفو عن المسيء من أفضل الأعمال التي يحبها الله وهو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته كما أنه يزيد صاحبه عزا وكرامة، وقد حكى الله سبحانه عن نبيه يوسف ـ عليه السلام ـ وقد آذاه إخوته وظلموه وعندما آل أمره إلى النصر والعزة والتمكين لم يقابل السيئة بمثلها، وإنما عفا عنهم، وكان منه ما حكاه القرآن الكريم عنه: قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {يوسف:92}
والله أعلم.