الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بما منّ الله به عليك من توفيقك للتوجه إليه والإقبال على طاعته، والاهتمام بحفظ الٌقرآن، ونسأله سبحانه أن يصرف عنك هذه الوساوس، وأن يثبتك على الهداية حتى تتحرر من تسلط الشيطان عليك، ونفيدك بأنك لست كافرا ، بل أنت مؤمن إن شاء الله. ويشهد لإيمانك ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ.
واعلم أن هذه الوساوس ابتلاء عظيم، إلا أن شأن الصلاة أعظم، فلا يجوز تركها بسبب هذه الوساوس، وإنما الواجب مدافعة الوسوسة والاجتهاد في ذلك، ولا يجوز للمسلم أن يستسلم لهذه الوسوسة التي تعرض له في طهارته ، أو في صلاته، أو غير ذلك. لأنها من كيد الشيطان ليصرف الصالحين عن عبادتهم، ويقطعهم عما يقربهم من ربهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، فينبغي للعبد أن يثبت، ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان: (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) وكلما أراد العبد توجهاً إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوساوس أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا ، وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب؟! اهـ.
وأما العلماء فيجب احترامهم لما في سنن أبي داود عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه...
وقال صلى الله عليه وسلم في بيان فضلهم: العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وقال الإمام الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله: اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور: 63}.
ولكنه ليس مجرد الضحك عليهم موقعا في الردة، لأن الردة هي شرح الصدر للكفر، ولأن من دخل في الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين.
وقد قال الملا علي قاري في شرح الشفا: قال علماؤنا: إذا وجد تسعة وتسعون وجها تشير إلى تكفير مسلم ووجه واحد على إبقائه على إسلامه فينبغي للمفتي والقاضي أن يعملا بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله عليه السلام: ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم. انتهى.
وأما العمل بالصالحات خوفا من كلام الناس فلا يكفر به بل هو من الرياء المحرم وهو معدود من الشرك الأصغر ولكنه لايخرج من الملة. فقد قال الإمام ابن القيم: وأما الشرك الأصغر: فكيسير الرياء، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله… وقول الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت. مدارج السالكين.
وقد بينا أقسام الخوف ويمكنك أن تراجع فيها فتوانا رقم: 2649، ومنها يتبين لك أن هذا النوع من الخوف لا يعد شركا، ولكنه إذا زاد على المعتاد كان مذموما.
والله أعلم.