الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت حلفت في نفسك دون أن تتلفظ باليمين أو تحرك به شفتيك فإنه لغو لا اعتبار له ولا أثر، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه.
فحديث النفس عفو ولا ينبني عليه حكم، وقولك الثاني مجرد إخبار وليس إنشاء يمين وبالتالي، فإن كان ما صدر منك أولا هو مجرد الحديث النفسي فإخبارك بأنك حلفت خبر كاذب إلا إذا كنت نويت أنك حلفت في نفسك فلا تكون كاذبا حينئذ.
وعلى كل فإخبارك بأنك حلفت ليس يمينا، وأما على فرض أنك حركت شفتيك وتلفظت بعبارة علي الطلاق، فيعتبر يمينا لازما، والجمهور على لزوم الطلاق إن حصل الحنث بمخالفته، ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ومن وافقه أن من حلف بالطلاق قاصدا منع نفسه أو حثها فلا يلزمه غير كفارة اليمين عند الحنث ولا يقع عليه الطلاق، وعلى كل فإنك لا تحنث بغير ما حلفت عليه ونويته من تحويل الرصيد من حسابك إلى غيرك ممن نويتهم.
وأما ما ذكرته من الاحتمالات في سؤالك وعددتها من 1 إلى 9 فإنك لا تحنث بها، لعدم تناول اليمين لها وعدم قصدك لها كما هو ظاهر جلي، ولو لم تكن لك نية عند الحلف فينظر إلى الحامل عليه وهو ما يسمى ببساط اليمين، جاء في الشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير عند قول: ثم بساط يمينه ـ ثم إن عدمت النية أو لم تضبط، خصص اليمين وقيد بالبساط، وهو السبب الحامل على اليمين، إذ هو مظنة النية وليس هو انتقالا عنها، ومثلوا لذلك بمن أراد أن يشتري شيئا فوجد عليه الزحام، فحلف ألا يشتريه في ذلك اليوم، وبعد قليل خفت الزحمة أو وجده في مكان آخر لا زحام فيه فاشتراه، فإنه لا يحنث، لأن السبب الذي حمله على اليمين هو الزحام وقد زال.
وقال ابن عبد البر في الكافي: الأصل في هذا الباب مراعاة ما نوى الحالف، فإن لم تكن له نية نظر في بساط قصته وما أثاره على الحلف، ثم حكم عليه بالأغلب من ذلك في نفوس أهل وقته.
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في إعلام الموقعين بعد أن ذكر أقوال العلماء ونقل نصوصهم الدالة على اعتبار البساط: والمقصود أن النية تؤثر في اليمين تخصيصا وتعميما، والسبب يقوم مقامها عند عدمها، ويدل عليها فيؤثر ما تؤثره، وهذا هو الذي يتعين الإفتاء به.
وبساط اليمين يجري في جميع الأيمان سواء كانت بالله تعالى، أو بطلاق، أو عتاق، وبناء على ما تقدم، فإن اليمين لا يقع إذا زال سبب الحلف به الذي هو الحامل عليه أصلا.
والله أعلم.