الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حق الأم عظيم، وبرّها من أوجب الواجبات ومن أفضل القربات، ولا سيما إذا كان في حال ضعفها ومرضها، قال تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا {الإسراء: 23}.
وخدمة الأمّ ورعايتها واجبة على أولادها جميعاً، فإما أن يقوموا بخدمتها بأنفسهم بالتناوب فيما بينهم، وإمّا أن يوفروا لها من تقوم بخدمتها، فإن أردت أن تكفي إخوتك وتتبرع برعاية أمك وخدمتها طمعا في الأجر ورغبة في الثواب، فقد أحسنت ولنعم الابن أنت، ونسأل الله أن يوفقك ويتقبل منك هذا العمل العظيم، ولا حق لزوجتك في الاعتراض على قيامك بخدمة أمك ورعايتها ما دمت لا تقصر في حقها، لكن اعلم أن زوجتك ليست ملزمة بقبول مساكنة أمك أو غيرها من أقاربك، وانظر الفتوى رقم: 28860.
أما إذا وفرت لها مسكنا مستقلا مناسبا فلا حق لها في الاعتراض عليه، ولو كان قريبا من أمك، جاء في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: وفي شرح المختار ولو كان في الدار بيوت وأبت أن تسكن مع ضرتها ومع أحد من أهله إن خلى لها بيتا وجعل له مرافق وغلقا على حدة ليس لها أن تطلب بيتا آخر.
كما أنه ينبغي على المرأة الصالحة أن تعين زوجها على بر أمه والإحسان إليها، فإنّ ذلك مما يعود عليهما بالخير في الدنيا واللآخرة، والذي ننصح به أن تجتهد في الجمع بين بر أمك وإمساك زوجتك بالمعروف، ولا ننصحك بطلاق زوجتك إلا إذا أدى إمساكها إلى تضييع حق أمك وتقصيرك فيما يجب عليك نحوها، فالطلاق ليس بالأمر الهين ولا ينبغي أن يصار إليه إلا عند تعذر جميع وسائل الإصلاح، وإذا أمكن للزوجين الاجتماع والمعاشرة بالمعروف ولو مع التغاضي عن بعض الهفوات والتنازل عن بعض الحقوق، كان ذلك أولى من الفراق لا سيما حال وجود أولاد.
والله أعلم.