الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكرت عن هذا الشاعر اشتمل على كثير مما لا يليق، ومن ذلك استخدامه العبارات الشرعية في الأمور الغزلية مثل قوله: بني الانسان على خمس، وكذا استخدام عبارات الطواف والذكر والتسبيح والتلاوة والذكر وقيام الليل والكعبة والحج وعرفات في ذلك، وأعظم من ذلك قوله إنه يملك أن يدخلهن الجنة أو يرسلهن إلى النار. وقوله: سبحان إرادة انكل سام واقتباسه العبارات القرآنية في خطابه للخليج اقرأ باسم ربك الذي خلق ....
فكل هذه الألفاظ لا تجوز ولا تجوز حكايتها .
وأما ما ذكر لك بعض الناس فالجواب عنه أنه يجوز الاقتباس من القرآن عند الجمهور ما لم يكن على سبيل الاستخفاف والاستهزاء، أو تضمين معنى في غير محله، ومن التضمين للقرآن في غير محله ما جاء في تلك العبارات الواردة في الشعر المذكور.
قال في الآداب الشرعية: سئل ابن عقيل عن وضع كلمات وآيات من القرآن في آخر نصوص خطبة وعظية: فقال: تضمين القرآن لمقاصد تضاهي مقصود القرآن لا بأس به تحسينا للكلام، وقد أنشدوا في الشعر: ويخزيهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنينا . اهـ.
وقال السيوطي في الإتقان: وفي شرح بديعية ابن حجة الاقتباس ثلاثة أقسام: مقبول ومباح ومردود..... وعد من الممنوع تضمين آية في معنى هزل ونعوذ بالله من ذلك كقوله:
أوحى إلى عشاقه طرفه === هيهات هيهات لما تـوعدون
وردفه ينطق مــن خلفه === لمثل ذا فليعمل العاملـــــون
قلت: وهذا التقسيم حسن جداً وبه أقول. انتهى.
وقال السيوطي أيضا في كتابه شرح عقود الجمان في المعاني والبديع والبيان عند الكلام عن الاقتباس والتضمين..:
قلت وأما حكمه في الشرع * فمالك مشدد في المنع.
وليس فيه عندنا صراحه * .....
قال في الشرح إنه سأل قاضي القضاة محي الدين بن أبي القاسم الأنصاري المالكي عالم الحجاز عن هذين البيتين:
مات ابن موسى وهو بحر كامل * فهناكم جمع الملائك مشترك
يأتيكم التابوت فيه سكينة * من ربكم وبقية مما ترك
فأجابه القاضي: هذا كفر عندنا.
وبناء عليه فليس ما فعله الشاعر من تضمين القرآن في قصيدة غزلية يعظم فيها المحبوب ويشبه بالكعبة بجائز، لما في الغزل من المنافاة لما يدعو له القرآن من العفة والبعد عن أسباب الفساد.
ويتعين التنبه إلى أن كتاب الله أنزل ليتدبر وهو كلام خالق السموات والأرض وخالق كل شيء، ومن جعله وسيلة تندر واستخدمه في الغزل فلا يؤمن أن يجره ذلك إلى ما أفتى به العلماء المتقدمون مستدلين بقول الله تعالى: قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة:65-66}، فالأمر خطير جداً جداً.
والله أعلم.