الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي اتفق العلماء على تحريمه إنما هو الخمر المتخذة من عصير العنب، وأما سائر الأنبذة من غير العنب فقد اختلفوا في القليل الذي لا يسكر منها، قال ابن رشد في بداية المجتهد: أما الخمر فإنهم اتفقوا على تحريم قليلها وكثيرها ـ أعني: التي هي من عصير العنب ـ وأما الأنبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي لا يسكر، وأجمعوا على أن المسكر منها حرام، فقال جمهور فقهاء الحجاز وجمهور المحدثين: قليل الأنبذة وكثيرها المسكرة حرام، وقال العراقيون إبراهيم النخعي من التابعين وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وشريك، وابن شبرمة، وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكثر علماء البصريين: إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: الْمُجْمَعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ: عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا اشْتَدَّ وَقَذَفَ زَبَدَهُ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ الأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ, وَفِيهِ اخْتِلافٌ. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الحنفية إلى أن الخمر التي يحرم قليلها وكثيرها، ويحد بها، ويكفر مستحلها هي المتخذة من عصير العنب خاصة، أما الأنبذة عندهم فلا يحد شاربها إلا إذا سكر منها. اهـ.
والإمامان: وكيع بن الجراح الرؤاسي وسفيان بن سعيد الثوري، من جملة العراقيين الذي يرون جواز شرب الأنبذة دون حد الإسكار، وقد ذكر الذهبي في ترجمة وكيع طرفا من فضائله ثم قال: ومع هذا فكان ملازما لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر الإكثار منه، فكان متأولا في شربه، ولو تركه تورعا لكان أولى به، فإن من توقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، وقد صح النهي والتحريم للنبيذ المذكور، وليس هذا موضع هذه الأمور، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، فلا قدوة في خطأ العالم، نعم، ولا يوبخ بما فعله باجتهاد. اهـ.
وقال في ترجمة سفيان الثنوري: مع جلالة سفيان كان يبيح النبيذ الذي كثيره مسكر. اهـ.
وقال في موضع آخر: كان رأسا في الزهد والتأله والخوف، رأسا في الحفظ، رأسا في معرفة الآثار، رأسا في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائم، من أئمة الدين، واغتفر له غير مسألة اجتهد فيها، وهو على مذهب بلده أيضا في النبيذ. ويقال: رجع عن كل ذلك. اهـ.
وراجع في مسألة الأنبذة الفتويين رقم: 161877، ورقم: 19795.
والله أعلم.