الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في تحريم النمص جملة من الأحاديث، منها ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. اهـ.
وهذا اللعن لا يمنع دخول الموحدين الجنة، فإن العصاة الموحدين لا يخلدون في النار إذا دخلوها، بل يطهرون فيها ثم يخرجون منها، لحديث الصحيحين: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير. رواه البخاري.
ولحديث: من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه. رواه الطبراني، وصححه الألباني.
وفي حديث الشفاعة: أن الله يستجيب له ويقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله. رواه البخاري.
قال النووي في شرح حديث النمص: قال القاضي: واستدلوا بهذا على أن ذلك من الكبائر، لأن اللعنة لا تكون إلا في كبيرة، ومعناه أن الله تعالى يلعنه ...وهذا مبالغة في إبعاده عن رحمة الله تعالى، فإن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد، قالوا: والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه، والطرد عن الجنة أول الأمر، وليست هي كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعاد. انتهى.
وقد يسلم العاصي من اللعن وذلك اذا تاب توبة صادقة فإن الله تعالى يتوب عليه، وبالتالي يرتفع اللعن بارتفاع سببه وهو المعصية، وقد يمنعه الله من النار واللعن إذا وجدت بعض الأسباب المانعة من ذلك، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقاً إلا إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك، وهي عشرة، منها: التوبة، ومنها: الاستغفار، ومنها: الحسنات الماحية، ومنها: المصائب المكفرة، ومنها: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها: شفاعة غيره، ومنها: دعاء المؤمنين، ومنها: ما يهدى للميت من الثواب والصدقة، والعتق، ومنها: فتنة القبر، ومنها: أهوال يوم القيامة، ثم قال: فمن جزم في واحد من هؤلاء بأن له ذنباً يدخل به النار قطعاً فهو كاذب مفتر. اهـ.
وقد ورد من النصوص ما يخالف ظاهر هذا الأصل وأن بعض العصاة لا يدخل الجنة، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
وقد وفق بعض العلماء بين هذا وما ذكرنا سابقا. فقد ذكر الباجي في المنتقى: أنهن لا يدخلن الجنة بأعمالهن وإن دخلنها بفضل الله وعفوه، أو لا يدخلن ابتداء وقت دخول من نجا من النار، وإن دخلن الجنة بما وافين من الإيمان بعد الخروج من النار إن عاقبهن الله. اهـ
ويدل لكون المؤمن لا بد أن يؤول أمره الى الجنة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه. قال المنذري: رواه البزار والطبراني ورواته رواة الصحيح. انتهى. وصححه الألباني.
ولذلك فمذهب أهل السنة والجماعة أن من مات موحداً وإن كان عاصياً فمصيره إلى الجنة، حتى وإن عذب في النار على قدر معصيته، فلا بد أن يخرج منها ويدخل الجنة، حتى إن الله تعالى يخرج من النار برحمته ناسا لم يعملوا خيراً قط وليس معهم إلا شهادة التوحيد فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. ثلاثا ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل. متفق عليه.
وأما اعتراض عائشة على حديث المرأة والكلب والحمار فقد تكلم عليه أهل العلم وقد ذكرنا أقوالهم في الفتوى رقم: 32586، والفتوى رقم : 122976
والله أعلم.